&يحيى الأمير

&

قرابة عقد انقضى على أسوأ مشروع شامل تعرضت له المنطقة، عمل دولي ساندته أطراف في المنطقة هي اليوم الأكثر تعرضاً للضغوطات والخسائر والمواجهة مع العالم، كل ما تمر به اليوم بلدان مثل تركيا وقطر وإيران يعود في نهاية الأمر إلى تورطها العميق في ذلك المشروع الفاشل.

في بداية العقد المنصرم كانت الشوارع والميادين في كثير من العواصم العربية تعج بالمظاهرات والصخب والمواجهات والفوضى والعملاء، بينما كانت العواصم التي تهيمن عليها إيران ترقد في هدوء فرضته الميليشات والعنف واستحكام الفساد والسطوة الأمنية على الشارع، واليوم وفي نهاية ذلك العقد أصبحت الشوارع والميادين في العواصم التي تهيمن عليها إيران هي الوحيدة المشتعلة والغاضبة اليوم والتي تشهد انفجاراً واسعاً للشارع الذي انتفض ضد تلك الهيمنة التي أفقدته الأمل في المستقبل ومكنت الفساد والفاسدين من نهب مقدرات الدولة، وغرقت تلك البلدان في انهيارات لا حدود لها.

هذا تحول ضخم للغاية، لنقارن اليوم بين مصر وبين العراق؛ في مصر استقرار وأمن وسعي نحو مواجهة التحديات الاقتصادية عبر منظومات جديدة للدعم وعبر حلول تنموية جديدة، يتوازى ذلك مع دور إقليمي مهم في المنطقة يتكاتف مع بقية دول الاستقرار في الإقليم. بالمقابل يمر العراق بأسوأ أزمة على مختلف الأصعدة كلها بسبب سنوات من الهيمنة الإيرانية التي أخذت من العراق كل شيء، وجلبت له الفقر والفساد والميليشيا والإرهاب. إيران أحد الشركاء في مشروع العام ٢٠١١ وفي مشاريع الهيمنة التوسعية خارج الحدود ها هي اليوم تواجه العالم وتقع تحت عقوبات اقتصادية وتواجه الداخل الذي يثور يومياً، وكل ذلك ليس إلا ارتداداً لتلك المشاريع التوسعية في المنطقة.

تركيا اليوم كذلك تواجه أزمات واسعة في الداخل وعلى حدودها ومع العالم، وما يقوم به النظام اليوم في ليبيا إنما يمثل حالة من الارتباك الأقصى الذي يصله النظام والذي يؤدي به إلى ارتباك مغامرات عسكرية ستحفز العالم والإقليم لمواجهة النظام وتعميق خسائره وهزائمه. لقد راهن النظام التركي على مشروع ٢٠١١ ورأى فيه فرصة للتوسع وتحقيق أحلام الوهم حول قيادة العالم الإسلامي وغيرها من الأحلام التي لا تتسق والدولة الوطنية الحديثة. وفي كل أزمات النظام التركي خارجياً غالباً ما يكون النظام القطري طرفاً فيها، لقد تورط النظام في مؤامرات ومشاريع هيمنة لم تجلب له إلا مقاطعة من أهم دول المنطقة ومزيداً من الابتزاز التركي للخزانة القطرية لتمويل مشاريعه ومعاركه في ليبيا وفي الشمال السوري وفي بناء المنظمات الإرهابية، حتى أصبح النظام القطري اليوم رهينة حقيقية لدى النظام التركي وباتت الدوحة مركزاً استخباراتياً لتركيا وإيران ولقادة الميليشات في المنطقة.

تلك بعض مظاهر المنطقة بعد قرابة عقد من الزمن على أضخم مشروع لإعادة تشكيل المنطقة وأكثرها فشلاً ومع الضريبة التي دفعت لمواجهته إلا أن الانتصارات العظيمة التي تحققت أعادت للمنطقة أمنها واستقرارها ولا تزال في مواجهة مع قوى الشر والهيمنة والمشاريع التوسعية.

لقد انتصرت الواقعية السياسية، وانتصر الإيمان بالدولة الوطنية، وانتصرت الحريات والحقوق على الطائفية والتشدد والأطماع السياسية.