عائشة المري

تبدو معركة إدلب ورقة الاختبار الأخير للحكومة السورية، في سبيل إعادة سوريا إلى المربع صفر، بعد حرب أهلية دولية استمرت نحو تسع سنوات، فالرئيس السوري مصمم على استعادة السيطرة على كافة الأراضي السورية، وإنهاء جيوب المعارضة المسلحة في إدلب ومحيطها لاستعادة الأرض التي بقيت خارج سيطرته، لينهي سنوات من الحرب الأهلية، إن التطورات العسكرية على أرض إدلب، والاشتباك المباشر بين الجيشين السوري والتركي، أديا لخلق واقع ميداني وسياسي جديد، ونقلا المواجهة لتصبح مباشرة بين دمشق وأنقرة لأول مرة، وليس حرباً بالوكالة كما ظلت لسنوات بين دمشق والمعارضة السورية المدعومة من تركيا، فما هي السيناريوهات المتوقعة لمعركة إدلب بأطرافها الإقليمية والدولية ومواجهاتها المستترة والمكشوفة؟

على أرض إدلب، تشارك عدة دول في رسم الأحداث وتؤثر فيها، وهي روسيا وتركيا وإيران، وتتعدد قوات التمرد المتمركزة في إدلب لتشمل «هيئة تحرير الشام»، وهي جماعة إرهابية تشكلت عام 2017 باندماج «جبهة فتح الشام» و«جبهة النصرة»، إلى جانب تنظيمات أخرى، ما جعل منها لاعباً مؤثراً في النزاع السوري.. و«الجبهة الوطنية للتحرير» المدعومة أيضاً من تركيا، إضافة إلى فصائل مسلحة أخرى، تتعاون الآن رغم اختلافاتها في مواجهة الجيش السوري.

وكانت إدلب ملاذاً للمعارضة السورية المسلحة طوال فترة الحرب، وملجأً للنازحين من كل معركة مع القوات السورية وحلفائها، حيث أصبح يعيش فيها اليوم أكثر من 4 ملايين نسمة، أكثر من نصفهم نازحون من مناطق أخرى، وأطلقت الحكومة السورية وحلفاؤها من الروس والإيرانيين في 25 أبريل 2019، حملة عسكرية واسعة ضد مناطق سيطرة التمرد في منطقة خفض التصعيد بإدلب، سعياً لاستعادة السيطرة على طريقين رئيسيين يؤديان إلى حلب يمتدان جنوباً من مدينة إدلب عبر مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، ويندرجان ضمن اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا، والذي ضمن بقاء هذين الطريقين مفتوحين.

وتتضح في إدلب خطوط التماس الدولية؛ حينما تدعم تركيا المقاتلين، تدعم روسيا وإيران الحكومة السورية، لكنهما عملتا على التوصل إلى حلول سياسية للوضع في إدلب، عبر عملية أستانا واتفاق سوتشي الذي ثبّت «خفض التصعيد».
وعبر السنوات الماضية، نجح الجيش السوري، مستعيناً بحلفائه، في استعادة معظم المناطق التي فقدها أمام زحف الميليشيات المسلحة في عام 2011 وبعده، إذ استعاد سيطرته الكاملة على ضواحي دمشق من «الجيش الحر» عام 2012، وأجزاء من حلب عام 2014، كما استعاد مدينة درعا (مهد الانتفاضة) بعد سبع سنوات من الحرب، والغوطة الشرقية، ومعظم المعابر الحدودية عام 2018.. لتبقى إدلب خارج نطاق السيطرة السورية، لكن الجيش العربي السوري، وبغطاء جوي روسي، استطاع انتزاع السيطرة على قرابة نصف مساحة مناطق خفض التصعيد، في ظل الهجمات المتواصلة وصولاً للمواجهة المباشرة مع القوات التركية في 2 فبراير الماضي، وحاصر عدداً من نقاط المراقبة التركية، حول منطقة خفض التصعيد المتفق عليها مع موسكو وطهران في 2017.
لقد انتهى اجتماع مسؤولين من تركيا وروسيا في أنقرة، لبحث الأوضاع بمحافظة إدلب، السبت الماضي، دون التوصل إلى اتفاق، وكانت تركيا تأمل في وضع «خريطة طريق للمستقبل في إدلب»، بعد أن هدد الرئيس التركي بطرد الجيش السوري، منها ما لم ينسحب بنهاية الشهر الجاري، وذلك بعد أن واصل الجيش السوري تقدمه.

واليوم تتقاطع السياسة والحرب في إدلب، وقد تكشف الأيام القادمة عن مواجهة حتمية بين روسيا وتركيا، بينما يتقدم الجيش السوري لاستعادة كافة الأراضي السورية.