عبدالله جمعة الحاج


دور النخب السياسية التقليدية الحاكمة في الإمارات السبع في قيام الدولة الاتحادية في الإمارات، هو الدور الأهم بين الأدوار التي لعبتها النخب الأخرى من اجتماعية وثقافية واقتصادية، وتحدثنا عنها في مقالات سابقة.
لذلك، فإن الحديث عن دور النخبة السياسية التقليدية في دولة الإمارات، هو ومسارها الثابت نحو انقضاء خمسين عاماً على تأسيسها، حديث ذو شجون. والحقيقة أنه منذ الثاني من ديسمبر 1971 يتواجد في دولة الإمارات نظام اتحادي تعاقدي بين مجموعة من الكيانات السياسية مشكلاً بذلك أنموذجاً عربياً وحيداً مستمراً في العمل بفاعلية كتطبيق عملي لمقولة الاتحادية بتعاريفها وتفسيراتها ومعانيها المعهودة في علم السياسية الحديث.
والاتحاد القائم تم تشكيله بموجب دستور حديث وقّع عليه رموز النخب السياسية المحلية، وهم الحكام السبعة، إي في كل إمارة عضو في الاتحاد، وتم إقراره والعمل بموجبه كوثيقة قانونية – سياسية تربط بين الجميع وتفرض عليهم واجبات مثلما تضمن لهم حقوقاً يتوجب على الدولة الاتحادية الالتزام بها والعمل على أساسها.

أحاول التركيز على دور النخب السياسية في بناء الدولة الاتحادية ورفع شأنها وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة فيها خدمة للوطن والمواطنين، وتحقيق مصالحها الوطنية العليا على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتحقيق المكانة الدولية المرموقة لها كدولة ذات سيادة لها دورها المشهود في شؤون العالم الذي تعيش فيه من زاوية تحقيق السلام له والأمن والأمان والتنمية والرفاه لشعوب الأرض كافة.
ومن جانب آخر سيتم التركيز أيضاً على القضايا المتعلقة بالبنى الوظيفية للدولة الاتحادية وعلى البنى الوظيفية للسلطات المحلية وعلى علاقة الطرفين المتبادلة مع بعضهما بعضاً في سبيل تحقيق الأهداف والاستراتيجيات الوطنية العليا.

الدولة الاتحادية في الإمارات تقوم على الوثيقة الدستورية التي أبرمت وتم التوقيع عليها، ودستور دولة الإمارات يتبنى المبادئ الدستورية الحديثة ويحاول موائمتها مع الثقافة السياسية المحلية المرتكزة على خصوصية الإمارات المتمثلة في العروبة والإسلام.
هذه الثقافة السياسية الفريدة تقوم على قبول واحترام المواطنين لنخبتهم السياسية التقليدية كمحور وإطار للشرعية السياسية، واحترام هذه النخبة للمواطنين، ويتبنى الدستور مبادئ حقوق الإنسان التي جاء بها الإسلام للبشرية أول الأمر، ثم بلورها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ويتبنى الدستور الأنموذج التقليدي القائم على وجود فصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية رغم أنه لا يركز كثيراً على مدى التوازن بين المؤسسات الحكومية التي تمارس تلك السلطات على أساس من كون العلاقة بينها تكاملية وتعاونية.
وعلى عكس الكثير من الدساتير الأخرى، شاءت النخبة السياسية بأن يكون دستور دولة الإمارات وثيقة حية يتم العمل والأخذ بها لأنها الوثيقة الأساسية التي تقوم عليها الدولة الاتحادية والمجتمع الذي يكونها.
وتوجد أسباب تجعل من الدستور ذا أهمية ملموسة، فهو الأول من نوعه الذي وُضع في هذه المنطقة ذات التاريخ العريق، وقصة وضعه والالتزام به خلقت لدى أهل الإمارات حالة من الشعور بالثقة بالنفس وفي قدرتهم على إرساء حكم عصري مستنير خاص بهم، والدستور قائم على القبول الطوعي، لذلك، فإن ولادة الدستور يُنظر إليها بأنها تعبير عن الرغبة في المحافظة على سلامة الوطن وشعبه وحمايته من الهزات غير المتوقعة أو المحسوب حسابها آنذاك، ومحاولة من النخب السياسية لقيادة البلاد إلى بر الأمان، والولوج بها إلى عصر التنمية الشاملة المستدامة.