نجاة السعيد


لا شك أن أزمة كورونا كان لها الأثر الكبير على تراجع أسعار النفط، بسبب انخفاض الطلب، وتراجع المداخيل الأخرى، وعلى رأسها السياحة وقطاع الطيران، لذلك أرادت دول أوبك تخفيض المعروض لرفع الأسعار، إلا أن روسيا رفضت وغلبت مصلحتها الفردية، بالمطالبة بزيادة الإنتاج على مصلحة التحالف، وبالتالي لم يكن هناك خيار للسعودية إلا برفع الإنتاج إلى نحو 12 مليون برميل، وهذا ما تستخدمه كل دولة للحفاظ على ميزتها التنافسية في أسواق النفط العالمية لاستعادة حصتها في السوق، وهو حق مشروع.

لقد شكلت زيادة الإنتاج السعودي للنفط صدمة لروسيا، لأنها لم تتوقع هذا الرد، لاعتقادها أن السعر المناسب للاقتصاد السعودي هو 80 دولاراً للبرميل، وأن أميركا لن تسمح بزيادة الإنتاج لأن هذا سيضر استخراج النفط الصخري، والتي تشكل تكلفة استخراجه من 50-70 دولاراً.
لكن روسيا لم تأخذ في الاعتبار، أن زيادة الإنتاج ستؤدي إلى خفض أسعار البنزين، وهو في صالح المستهلك الأميركي، كذلك سيساعد الولايات المتحدة الأميركية على زيادة المخزون الاحتياطي الذي تحتفظ به للطوارئ، أما بالنسبة للتأثير على قطاع النفط الصخري، فأسوء الاحتمالات إذا تعرضت الشركات الصغيرة للانهيار خلال هذا الوقت، فإن الشركات الأميركية الكبرى مثل إكسون موبيل ستشتري أصولها، هذا يعني أنه سيكون لدى أميركا عدد أقل من الشركات في صناعة النفط الصخري، لكن إنتاجها منه لن يختفي.
بالنسبة للسعودية، أدت زيادة الإنتاج إلى ارتفاع مؤشر أرامكو إلى 9%، مما يعني أن القرار الذي اتخذته السعودية برفع الإنتاج كان حكيماً، بأنها حافظت على التوازن الاقتصادي الداخلي لإنتاجها، كذلك القول إن 80 دولاراً هو السعر المناسب الذي يعتمد عليه الاقتصاد السعودي، هذه أرقام ما قبل رؤية 2030، أما اليوم تراجعت إلى 55 دولاراً ولدى السعودية من الأصول المحلية والخارجية، ما يجعلها قوية في مواجهة حرب أسعار النفط، أيضاً لا أحد يستطيع مقارعة السعودية بتكلفة إنتاج النفط بنحو 2 إلى 5 دولارات، فهذه تكلفة لا يمكن لأي مُصَّدِر في العالم بلوغها، بالإضافة إلى معمل الغاز في الفاضلي سيرفع مستوى الإمدادات.

بالرغم أن كل التقارير الاقتصادية، تركز على من الذي سيصرخ أولاً في حرب أسعار النفط هذه، ويرضخ للجلوس على طاولة المفاوضات لإنقاذ الأسواق، إلا علينا أن نرجع للسؤال المهم: هل خفض الأسعار جيد أم سيء للاقتصاد؟ يقول بعض الاقتصاديين إن هناك تأثيراً إيجابياً ليس فقط في خفض الأسعار للمستهلكين مثل سائقي السيارات، بل أيضاً خفض تكاليف التصنيع للعديد من الشركات التي تعتمد على النفط، أسعار النفط المنخفضة ستكون فرصة للشركات المصنعة كي تستفيد من تكاليف إنتاج أقل، مثل البتروكيماويات والأقمشة وغيرها، لذلك على الدول المصدرة للنفط أن تركز في دراساتها على استثمار النفط لتعزيز الصناعات المختلفة، وتستغل الانخفاض في الأسعار وأزمة كورونا، بزيادة صناعة الأدوية والمعدات الطبية والأجهزة الإلكترونية والاتصالات وغيرها، فالمطلوب كيف يمكن جعل شركات نفطية مثل شركة أرامكو في السعودية، وشركة مبادلة للبترول في الإمارات، شركات صناعية عملاقة، يبدو أن أزمة كورونا ستدفع كل دولة للبحث عن زيادة ميزاتها التنافسية، وعن كيفية تحويل الأزمات إلى فرص، وكما يقال الحاجة أم الاختراع.