نايف الوعيل


4-5 دقائق
في رسم توضيحي مميز على غلاف مجلة النيوزويك الأميركية الأخير، يظهر تمثال الحرية مرتديًا رداءً منزليًا أمام حاسوبه، ويحتسي مشروبًا دافئًا، فيما يعنون الرسم "أمة تعمل من المنزل"، في إشارة إلى موجة من التخلي عن الالتزام بالدوام المكتبي بالولايات المتحدة في مئات المؤسسات، مقابل العمل المنزلي كإجراء وقائي احترازي ومساهمة في "التباعد الاجتماعي"، على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد وارتفاع عدد الإصابات يوماً تلو الآخر. المسلك الذي سلكته الولايات المتحدة ليس استثنائيًا، فبالرغم من توفر التقنية ووسائل الاتصال اللازمة للعمل عن بُعد والتحلل من الالتزام المكتبي منذ سنوات، إلا أن شعوب العالم جمعاء، فيما يشبه الاتفاق، أبقت على عادة الذهاب للعمل كل صباح والعودة منه، بحكم الاعتياد رُبما، ليأتي كورونا المستجد ليزلزل هذه العادة، ويطرح تساؤلاً مشروعًا حول عالم ما بعد كورونا، وقيمة الدوام المكتبي دون وجود حاجة ملحة إليه، والضوابط اللازمة إذا ما لجأنا لتقنين مسألة الدوام المنزلي واعتباره نمطًا مهنيًا قانونيًا.

من الضروري اليوم البدء في رصد ما تعلمناه ونتعلمه يوميًا من أزمة كوفيد -19، وبالنسبة لملف العمل، ربما علينا أخذ العمل من المنزل بالجدية الكافية بعد أن أثبت فعالية عالمية، ولا يعني الأمر الاستغناء عن أماكن العمل الرسمية بالطبع، إنما بعد انتفاء الضرورة والحتمية وتخطي أزمة الجائحة علينا أن نعيد النظر في طرق الاستفادة القصوى من ساعات الدوام المكتبي، وطاقة العاملين وأوقاتهم، فربما نمنح أنفسنا جميعًا قدرًا من المرونة في ساعات العمل، ومن جهة أخرى نرسخ للاستفادة من أساليب العمل من المنزل للفئات الأكثر احتياجًا لمثل ذلك الاستثناء، وربما يمكن للطلاب الجامعيين أيضًا اللجوء للعمل من المنزل لفترات على سبيل التدريب الأولي، ثم الانضمام لطواقم العمل الميداني في شتى المجالات بعد اجتياز اختبار.

وبالرغم مما يبدو عليه مصطلح العمل من المنزل من عشوائية، إلا أنه يمكن للمؤسسات إمداد موظفيها بضوابط ومعايير تحثهم على الالتزام بها لرفع جودة ما يقدمونه من مهام، يتضمن ذلك بروتوكول الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية مع البقاء في المنزل لفترات طويلة دون الحصول على قدر كافٍ من التريض والتعامل مع العالم الخارجي، من جهة أخرى يجب على المؤسسات الحفاظ على حقوق العاملين التأمينية وتنسيق أوضاعهم بما يتيح لهم هامشاً من الأمن الوظيفي، والأمن الوظيفي بدوره هو ربما الخطوة الأولى لضمان وفاء العاملين وانتمائهم إلى مؤسساتهم وإخلاصهم للعمل في كافة الظروف، فولاء العاملين من الممكن أن يكون تذكرة بعض المؤسسات الرابحة للعبور من أزمات ذات تداعيات فادحة كجائحة كوفيد - 19.