مدة القراءة:11-14 دقيقة


يُعتبر (مضيق هرمز) من أهم الممرات المائية في العالم، ورغم أن عرض أضيق نقطة فيه تبلغ (33.8 كيلومتر)، إلا أنه يمتاز بأهمية استراتيجية واقتصادية وتجارية عظيمة؛ كونه هو المخرَج الشرقي الأول والطريق الوحيد لنقل النفط من الخليج العربي وإيران والعراق إلى كافة الدول التي من أهمها اليابان والهند والصين، ويعتبر الرئة التي تتنفس من خلالها دول الخليج العربي من شماله إلى جنوبه، حيث يمرُّ من خلاله حوالي (80%) من النفط الخام نحو آسيا، ومرَّ منه (24%) من الإنتاج العالمي اليومي من النفط خلال الفترة من (يناير 2018م) وحتى (يونيو 2019م) فقط، ويشهد حركةً يوميةً لمرور الكثير من سفن الشحن القادمة من مختلف أنحاء العالم.

ويَفصل (مضيق هرمز) ما بين مياه المحيط الهندي، ومياه بحر العرب، ومياه خليج عُمان، وتطلّ عليه من الجنوب سلطنة عُمان (محافظة مسندم) التي تُشرف على حركة الملاحة البحرية فيه باعتبار أن ممر السفن العميق يأتي ضمن مياهها الإقليمية، ومن الشمال إيران (محافظة بندر عبَّاس).

ونظرًا لأنه يُعَدّ الشريان الرئيسي للتجارة العالمية ويشكِّل عنق الزجاجة في منطقة الخليج لكونه أكثر الممرات المائية ازدحامًا بمرور ناقلات النفط العملاقة، فإن تثبيت أمنه واستقراره يتطلَّب مسؤولية كبيرة لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي، وذلك باستمرار تواجد الدول ذات المصالح في المنطقة، خاصة اليابان والولايات المتحدة التي عقدت عددًا من التحالفات ومجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات وأنشأت عددًا كبيرًا من القواعد البرية والجوية والمراقبة في دول مجلس التعاون.

وقد طالبت إيران مرارًا بالإشراف على مضيق هرمز من خلال مؤتمرات قانون البحار التي تُشرف عليها الأمم المتحدة، لما للمضيق من أهمية استراتيجية كبرى جعلته يُستخدم دائمًًا في لغة التهديد الإيرانية والتلويح بإغلاقه أمام الملاحة الدولية لما يُشكِّله إغلاقه من تداعيات اقتصادية عظيمة الخطورة على المستوى الإقليمي والدولي؛ لذلك فإنه هناك قلق دائم من إمكانية وقوع حروب ناقلات النفط العملاقة التي هي (حروب المستقبل) تشبه ما جرى خلال حقبة الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات قرن الماضي.

وحيث إن (مضيق هرمز) يحظى باهتمام استراتيجي كبير من قِبل العديد من الدول؛ فإنه لابد من الوضع في الحسبان النقاط الآتية:

1. يمر الوضع في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز بحالة عدم استقرار وقلق متواصل، بسبب التهديدات الإيرانية المستفزة بإغلاق المضيق كلما ظهرت على السطح أزمة سياسية، وبسبب الأوضاع الداخلية في إيران التي تستدعي آية الله خامنئي -الذي يُعدّ أعلى سلطة في الجمهورية الإيرانية- والوزراء وأعضاء مجلس الشورى للتخفيف من ضغط الشارع الإيراني الذي يأنّ تحت ظروف اقتصادية صعبة جدًا بسبب الحصار الاقتصادي، لإطلاق تهديدات وتصريحات استفزازية وغير مسؤولة وخارجة عن القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة.

2. يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية -كما صرَّح الرئيس ترامب أكثر من مرة- لا تعتمد على تدفق النفط من الخليج العربي كما كان في السابق، إلا أنها تعمل على حماية مصالح حلفائها التي يعتمد اقتصادها على ذلك الممر الحيوي، وهو ما قد يجعل الأمر أكثر تطورًا وتعقيدًا، ويدفع أمريكا لمساندة الحلفاء من أجل ضمان تدفق النفط من الخليج عبر مضيق هرمز إلى خطوط الملاحة الدولية، لذلك فإن الولايات المتحدة من أكثر الدول المستفيدة من توتر الأوضاع في مياه الخليج ومضيق هرمز، ومن اعتماد حلفائها (دول مجلس التعاون والدول الصناعية الأخرى كاليابان والصين) عليها في تأمين هذا المضيق، بتقديم الدعم العسكري لحماية أمن الخليج العربي من الهجمات الإيرانية، خاصة بعد سلسلة الهجمات الإرهابية الإيرانية التي استهدفت ناقلات النفط العملاقة والسفن التجارية في مياه الخليج العربي وبحر العرب في (مايو 2019م)، وتنوَّع أساليبها بين الاختطاف والعمليات التخريبية والتفجيرات، حتى إسقاط طائرة استطلاع أمريكية مسيَّرة، ثم تحدّي العالم بتفريغ شحنة ناقلتها النفطية التي أفرجت عنها السلطات البحرية البريطانية آنذاك في جبل طارق بميناء طرطوس السوري، فكانت تلك بدايات سلسلة عمليات القرصنة الإرهابية الاستفزازية التي نفذتها إيران في مياه الخليج بهدف تهديد حركة النقل التجاري البحري العالمي وتعمّد إحداث الفوضى وعدم الاستقرار في أهم ممر للطاقة في العالم.

إن (حروب المستقبل) أو (حروب ناقلات النفط) أدَّت بدول العالم إلى التفكير الجدّي في العديد من الخيارات الممكن العمل بها لحماية أمن مضيق هرمز، وكان منها (التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية) في (نوفمبر 2019م) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والذي انضمَّت إليه عدد من دول المنطقة وعدد من الدول الغربية والآسيوية، ويهدف إلى حماية وتأمين الملاحة البحرية في الممرات المائية في الوطن العربي وتعزيز التدفق الحُر للتجارة وردع التهديدات التي تواجه السفن ومراقبة المجال البحري في كل من (الخليج العربي، مضيق هرمز، بحر عُمان، مضيق باب المندب والبحر الأحمر)، وهو ما أدى إلى ارتفاع حالة التوتر بشكل كبير في منطقة الخليج وأثار حالة من القلق لدى الدول المستوردة للنفط.

وقد أثبتت الأحداث التاريخية منذ حرب الناقلات في ثمانينيات القرن الماضي بأن هناك أطرافًا مستفيدة من أيّ تصعيد في (مضيق هرمز) خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، التي استغلت تلك الحرب لتحقيق أهداف عديدة على مختلف المستويات، منها أهداف عسكرية واجتماعية واقتصادية عبر تحريك عجلة الصناعة العسكرية والحربية لإنتاج المزيد من الأسلحة وخلق مزيد من الوظائف للقضاء على البطالة في المجتمع الأمريكي، وأهداف سياسية واستراتيجية حيث وجدت الولايات المتحدة في هذه الحرب وسيلة لإجبار حلفائها وخصومها على الانضمام لصفها بأي شكل من الأشكال، سواء بدعم حملاتها السياسية لإجبار إيران على القبول بالشروط والتفاوض، أو تشكيل ضغوط على الدول المتضررة كدول مجلس التعاون لطلب الحماية العسكرية، مما يحقق لها فوائد اقتصادية ويحمي مصالحها الإستراتيجية في عموم المنطقة.

كما تهدف الولايات المتحدة من سياساتها تلك إلى الإطاحة بالنظام الإيراني من الداخل والذي يبدو أنه لم يزل متحكمًا بخيوط الوضع الداخلي رغم كل الضغوطات الاقتصادية التي فُرضت على إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في (8 مايو 2018م)، لتجد الولايات المتحدة نفسها غير قادرة على شن حرب مباشرة على إيران بسبب الأضرار المتوقعة على الرئيس ترامب وعلى حظوظه في الانتخابات الرئاسية، وتردّد حلفاء أمريكا في المنطقة من الأضرار الاقتصادية التي قد تتعرَّض لها بنيتها التحتية، كما أن روسيا والصين لن تدعم بأي حال من الأحوال هذه الحرب للمحافظة على خطوط التماس الساخنة للحرب الباردة بين الولايات المتحدة وهاتين الدولتين العظميين.

إذن، نحن أمام معضلة قاسية على المنطقة بسبب استمرار وجود النظام الإيراني رغم كل ما تعرَّض له من عقوبات ورغم كل ما أصاب شعبه من أوضاع اقتصادية صعبة وبطالة فاقت المعدلات، وما يتطلَّبه الأمر من الولايات المتحدة من إعادة نظر في موقفها وسياساتها تجاه إيران والبحث عن خطط بديلة إذا كانت تسعى فعلًا للإطاحة بالنظام الإيراني وإرغام إيران على الخروج من النادي النووي، والذي يشكِّل وجودها فيه تهديدًا على الأمن الإسرائيلي الذي يعتبر من أولويات السياسة الأمريكية.

ولا يبدو أن سياسة ترامب الحالية تجاه دول مجلس التعاون وتجاه حلفائه في حلف الناتو ستفيد في التوصل إلى اتفاق ضد إيران؛ وذلك بسبب سياسة الابتزاز المالي التي يعتمدها ترامب مع دول المجلس ودول حلف الناتو والقائمة على دفع الأموال الطائلة لتأمين الأمن الأوروبي أو للمشاريع التجارية المختلفة والاستثمارات داخل الولايات المتحدة من أجل إبقاء الشعب الأمريكي في وضع اقتصادي مرتفع وبطالة منخفضة لم يشهدها في تاريخه.

لذلك؛ فإن الوضع الذي تسير عليه العلاقات الخليجية الأمريكية غير مريح بالنسبة لدول المجلس، بعد أن أخذ مسارًا -منذ بداية ولاية ترامب- بعيدًا كل البعد عن العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تربط دول مجلس التعاون بالولايات المتحدة، خاصة بعد الأزمة القطرية، وليست موافقة دول مجلس التعاون على التصرفات المستفزة للرئيس ترامب وسياساته العلنية تجاهها، إلا رغبةً منها في استمرار الدعم العسكري وبقاء الحماية الأمريكية لها بأي ثمن، وذلك خوفًًا من أطماع وتهديدات إيرانية أشد قوة وتأثيرًا على كياناتها، خصوصًا بعد استغلال إيران للبعد الطائفي لتحقيق أهدافها الرامية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.