كان لقاء جميلا ذاك الذي جمعني قبل ثلاثة أيام، برائدات صالون السيدة القديرة أسماء صديق المطوع، كان لحظة ثقافية فارقة في ظل الحجر القاسي، والضروري صحيا، استمر اللقاء أمسية كاملة تجاوزت الثلاث ساعات من السجال والنقاش بين الكاتب ورائدات الملتقى، كان تفاعليا بامتياز، مما يثبت ألاّ قوة تمنع الإنسان من التواصل الثقافي مهما كانت شرطيات الواقع الموضوعية.

صحيح أن شيئا ما كان ينقص اللقاء، ربما عطر المكان الذي عودتنا عليه السيدة أسماء بمحبتها وتفانيها في خدمة مشروعها القرائي الكبير والإنساني، لكن ذلك لم يمنع اللقاء من أن يكون جميلا وحميميا، وربما كانت هذه واحدة من الضربات القاصمة لظهر كوفيد 19 المدجج، وسنقول عندما يحين الوقت، إننا قاومناه بما نملك من تكنولوجيا وقدرة إبداعية وثقافية، لم يمنعنا الوضع الاستثنائي والصعب من مواصلة الحياة بكل عنفوانها وجمالها باختراق حاجب الخوف، وأبهى ما يمكن تذكره في هذا اللقاء الشهم، هو حرارة النقاش المبهر الذي تعمق في كل أطروحات الرواية، فلأول مرة يكتب كاتب عربي عن رياضة مصارعة الثيران في مدينة وهران الجزائرية، قديسة الساحل الجميلة التي تنام محروسة من سيدي الهواري، ولالة سانتا كروث، في أعالي جبل المرجاجو.

الرواية تذكر بالحياة الأندلسية والإسبانية في وهران في خمسينيات القرن الماضي، فقد دخلها الإسبان في القرن 16 واستمروا حتى القرن 17، استعادها العثمانيون، قبل أن يأتي الاستعمار الفرنسي في القرن 19، حلبات وهران لمصارعة الثيران، معلم مهم في المدينة، لكنه ظل مغلقا منذ طرد الاستعمار، وليعار فتحه بعد نصف قرن، بعد ترميمه بمناسبة إطلاق رواية «الغجر يحبون.. أيضا»، التي استعارت كوريدا وهران لأحداثها المركزية، وحتى يكون محمول الرواية مؤثرا، كان لابد من استعارة لغة ذات نفس ملحمي، كما أشارت سيدات صالون الملتقى، نهاية المتادور خوسي أورانو المؤلمة التي لم تكن إلا نتيجة لمسار سردي روائي، يمكن طبعا، تخيل نهاية سعيدة للرواية، لكن هذا يقتضي علائق سردية أخرى غير التي اختارتها الرواية، في سياق شبكة من العلاقات الفنية والبنيوية المعقدة قادت نحو نهاية دون غيرها، قدر خوسي أورانو هو جزء من القدر الذي صنعته له الرواية، بضربة في الخاصرة، من قرن ثور اسمه يكفي: مويرتي (الموت).

الرواية أثارت بالموازاة قضية منسية، وهي الهولوكوست الذي تعرض له الغجر في الحرب العالمية الثانية، فقد اقتيد أكثر من مليون غجري نحو أفران الغاز النازية قبل اليهود، لكن لا أحد يتحدث عن هذا وكأن الغجري إنسان من درجة عاشرة؟

كشفت الرواية الغطاء عن هذه الجريمة الكبيرة، في سياق صراع الهويات عرقيا ودينيا ولغويا الذي فرضه الاستعمار الفرنسي على ساكنة وهران، بعد أن مزقها بشكل كلي.. فشكرا لصالون الملتقى في أبو ظبي، الذي منحنا فرصة للخروج من دائرة الانكفاء والحجر.