ليس هناك أكثر من أردوغان من يجيد تمثيل الدور المزدوج، فبالنسبة لفلسطين يتهم «إسرائيل» بالإرهاب وحرب الإبادة وفي الخفاء يبني أفضل العلاقات معها!

ما نقوله وثّقته هيئات تركية معارضة، منها «المنصة التركية للمعارضة»، التي بثّت فيديو يروجه المعارضون الأتراك ويؤكدون فيه اعتراف أردوغان بالقدس عاصمة للكيان منذ عام 2005، ووفقاً للفيديو، فإنه في عام 2005 زار أردوغان الكيان بشكل رسمي، وحرص رئيس الوزراء «الإسرائيلي» آنذاك أرييل شارون على استقباله في القدس (وليس في تل أبيب) ورّحب به قائلاً بالحرف: أهلاً بك في القدس عاصمة «إسرائيل» و«الشعب اليهودي» التاريخية. امتص أردوغان قول شارون ولم يعترض أو يرد عليه بكلمة. واستطرد المعارضون الأتراك معلقين بالقول: وبعدها بأسبوع واحد وخلال مؤتمر للاستثمار في تركيا، قال أردوغان: سأنفذ أي استثمارات اتفقنا عليها سواء كانت في العاصمة اليهودية أو في أية عاصمة غربية.

وبعيداً عن كل هذه التصريحات الحماسية للسلطان العثماني، جرى توقيع اتفاق بين الجانبين في أنقرة والقدس (28أغسطس/ آب 2016)؛ لتطبيع العلاقات بينهما، وحلّ المشاكل العالقة. ومن أهم بنوده: الاتفاق على أن تدفع «إسرائيل» 20 مليون دولار أمريكي لأسر ضحايا السفينة مرمرة الذين استشهدوا على أيدي القوات «الإسرائيلية» عام 2010. إضافة إلى عودة التنسيق الاستخباراتي والتعاون الأمني بينهما، واستمرار «إسرائيل» في صيانة الطائرات الحربية التركية، والعودة لإبرام عقود أسلحة متطورة وتطبيع كامل بين البلدين يشمل: إعادة السفراء إلى أنقرة و«تل أبيب». كما يتعهد الطرفان بعدم إقدام أحدهما على عمل يضر بالآخر، وشدد بنيامين نتنياهو على أن الاقتصاد «الإسرائيلي» سيستفيد بصورة كبيرة من الاتفاق. وأضاف:أعتقد أنها خطوة مهمة أن نقوم بتطبيع علاقاتنا. كذلك رحب الوزير الأمريكي آنذاك جون كيري بالاتفاق، واعتبره خطوة مهمة تقوي عرى التحالف بين البلدين. وقد أكد نجل نجم الدين أربكان في حوار له مع وكالة أنباء «رويترز»، أن هذه الاتفاقية هي اعتراف صريح ورسمي من حكومة أردوغان بأن القدس عاصمة ل«إسرائيل»؛ وذلك من خلال عقد الاتفاق في القدس بين الجانب «الإسرائيلي» والجانب التركي.

كما انتقد الاتفاق كثير من الكتّاب الأتراك، وطالبوا بإلغائه. واعتبرت «جمعية الفرقان» الاتفاقية اعترافاً أردوغانياً صريحاً بأن القدس عاصمة للكيان. جدير بالذكر أن أردوغان هاجم بشدة بعد التوقيع منظمة «IHH» التي نظمت أسطول مرمرة في 2010؛ إذ صرّح قائلاً: هل سألتموني قبل أن يخرج الأسطول؟ هل طلبتم مني إذناً؟ ويشير موقع «ترك برس» إلى هذه العلاقة؛ من خلال تقريرٍ يشمل تصريحات وزير الطاقة «الإسرائيلي» يوفال شتاينيتز، وبحسب التقرير المنشور بتاريخ 27 فبراير/شباط 2016 يقول: لم تتأثر العلاقات التجارية بين البلدين على الرغم من بعض الخلافات الدبلوماسية في 2008 و2013.

وعلى الرغم من التدهور الدبلوماسي للعلاقات المتبادلة بين الطرفين، فإنّ حجم التبادل التجاري لعام 2014 بلغ 5 مليارات و832 مليوناً و180 ألف دولار. وكان الوزير قال في التقرير ذاته، إنّ الرئيس أردوغان صرح بأنه في ظل تدهور الأوضاع السياسية في المنطقة بشكل حاد لا نظير له، فإن تركيا بحاجة ماسّة إلى التوافق مع «إسرائيل»؛ لمناقشة المسارات التي يمكن من خلالها إحداث تغييرات إيجابية في المنطقة. لا ننسى بالطبع الأطماع التركية في ولايتي حلب والموصل (فأردوغان يعتبرهما انتزعتا من السلطنة العثمانية) ولا استيلاء تركيا على لواء الإسكندرون العربي السوري، ولا غزواته الثلاث للأراضي السورية: «درع الفرات»، «غصن الزيتون» ومؤخراً «نبع السلام»، وبدء عمليات التتريك في المناطق التي تحتلها قواته، وإرسال جيشه الغازي إلى ليبيا (باعتبارها وديعة تركيا منذ عهد أتاتورك - كما صرّح)، كما محاولات أردوغان إحداث خلل ديموغرافي في المناطق السورية المحتلة.

هذا غيض من فيض من سياسات السلطان العثماني الانتهازية، فهل يخدع أحداً غير نفسه؟ الغريب أن بعض العرب يثقون فيه ويصدّقون أقواله ويتحالفون معه!