واظب الخبراء على إقناعنا بأن الذكاء الاصطناعي ممثلا في الروبوت لا يمكن أن يتجاوزنا أو يتفوق علينا، ويجب ألا نخشى تمرده، فهو بحاجة في نهاية الأمر إلينا. هذه القناعة بدأت تهتز، بل هناك ما يثبت خطأها، وبعد أن أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على فهم المشاعر وقراءة الأفكار هناك من جاء ليخبرنا بأن بمقدور الذكاء الاصطناعي أن يتطور تلقائيا دون تدخل من البشر.

لندن: يختبر علماء الحاسوب الذين يعملون في قسم التكنولوجيا الفائقة في شركة غوغل كيفية إنشاء خوارزميات التعلم الآلي من الصفر، والتطور بشكل طبيعي بناء على معادلات رياضية بسيطة.

الخبراء الذين طوروا نظام "AutoML" (التعليم الآلي) بالاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي في غوغل، عرضوا بحثا جديدا، يشير إلى إمكانية تحديث البرنامج الحالي “الاكتشاف التلقائي” لخوارزميات غير معروفة تماما، مع تقليل التحيز البشري أثناء عملية إدخال البيانات.

ووفقا لمجلة العلوم، يحاكي النظام الذي يعرف باسمه الكامل "AutoML-Zero" عملية التطور، مع تحسين الشيفرة لكل جيل، والقليل من التفاعل البشري.

ويتم “تدريب” أدوات التعلم الآلي للعثور على أنماط بكميات هائلة من البيانات أثناء أتمتة هذه العمليات، ويتم تحسينها باستمرار استنادا إلى الخبرات السابقة.

توالد الخوارزميات

ويهدف النظام إلى إصلاح عدة عيوب، أهمها التحيز. حيث يؤكد البحث أن المكونات التي يتم تصميمها تكون منحازة عادة لصالح الخوارزميات المصممة من قبل الإنسان، ما يقلل من إمكانيات الابتكار. كما أن الابتكار محدود أيضا؛ بسبب وجود خيارات أقل، بحيث “لا يمكنك اكتشاف ما لا يمكنك البحث عنه”.

وينسب التحليل الذي نشر الشهر الماضي إلى فريق يعمل في قسم الدماغ بشركة غوغل.

وقال راي والش، خبير الكمبيوتر والباحث الرقمي في شركة “برو برايفسي”، لمجلة “نيوزويك” إن الشيء الجيد والعملي في هذا النوع من الذكاء الاصطناعي هو إمكانية ترك الأجهزة تعمل دون أي تدخل، على مدار الساعة، طيلة أيام الأسبوع، لتطوير خوارزميات جديدة.

وكما ذكر في مجلة العلوم، تم تصميم النظام لإنشاء مجموعة من 100 “خوارزمية مقترحة”، من خلال الجمع بين الرياضيات العشوائية الأساسية، ثم اختبار النتائج عن طريق مهام بسيطة، مثل تمايز الصورة، ثم تطوير الخوارزميات الأفضل أداء من خلال تغيير شفراتها بشكل عشوائي.

المفاهيم المطروحة في الدراسات الحديثة نقطة بداية قوية لكن المشروع لم ينته بعد

الناتج سيكون مجموعة متغيرات من الخوارزميات الأكثر نجاحا، تتم إضافتها إلى باقي المجموعة، وتهمل الخوارزميات القديمة والأقل نجاحا، لتستمر العملية في التكرار.
هذه العملية تساعد على نمو الشبكة بشكل ملحوظ، ما يعطي النظام خوارزميات طبيعية للعمل بها.

وقال هاران جاكسون، وهو كبير مسؤولي التكنولوجيا في “تيكسبيرت”، لمجلة نيوزويك “هناك شعور سائد بين العاملين في هذا الحقل، مفاده أن أكثر الأعمال المذهلة للذكاء الاصطناعي لن تتحقق إلا باختراع خوارزميات جديدة تختلف اختلافا جوهريا عن تلك التي ابتكرناها نحن، وهذا ما يجعل الورقة المذكورة مثيرة للاهتمام للغاية؛ إنها تقدم طريقة تمكننا من إنشاء واختبار خوارزميات تعلم آلي جديدة كليا”.

أحد الجوانب المثيرة للدهشة هو أن هذه العملية أعادت اكتشاف بعض خوارزميات الشبكة العصبية التي نعرفها مسبقا ونستخدمها. من المثير للغاية معرفة ما إذا كانت هذه الخوارزميات قادرة على إظهار خوارزميات جديدة لم نفكر فيها حتى الآن، قد يكون تأثيرها على حياتنا اليومية هائلا.

وأكد أعضاء الفريق الذين شاركوا في إعداد الورقة، أن المفاهيم المطروحة في الدراسات الحديثة شكلت نقطة بداية قوية؛ لكنهم أقرّوا بأن المشروع لم ينته بعد.

ترجمة الأفكار

يعتقد مطورو النظام أنهم قد أنتجوا نظاما لديه القدرة على إخراج خوارزميات ربما لم تخطر بعد على بال المطورين البشر؛ بسبب عدم تدخل طرف بشري، فإن الخوارزميات ستكون خالية من التحيز، وقد يؤدي هذا نظريا إلى خوارزميات متطورة يمكن للشركات الاعتماد عليها لتحسين كفاءتها.

وكان مساعدون افتراضيون طورتهم غوغل قد تمكنوا من فك شفرة خطابنا المنطوق بدقة غريبة، مقارنة بما كانت التكنولوجيا قادرة عليه قبل بضع سنوات فقط؛ ما يجعل التعرف إلى الكلام يبدو وكأنه لعب أطفال تقريباً.

وتمكن مهندسو أعصاب، من جامعة كولومبيا الأميركية، من ابتكار نظام يراقب نشاط الدماغ البشري ليعيد صياغة الكلمات التي يسمعها الشخص بوضوح غير متوقع.

وقد يقود هذا التطور، الذي يعزز موقف الأجهزة المنتجة للكلام والذكاء الاصطناعي، إلى ابتكار طرائق جديدة تساعد على الاتصال مباشرةً مع الدماغ، وقد نشر المهندسون نتائجهم في دورية “ساينتفك ريبروتس”.

وقال الدكتور نيما ميسغاراني، كاتب الورقة والرئيس والباحث الأساسي لدى معهد “مورتيمر زوكرمان” لسلوكيات الدماغ،”إن أصواتنا تساعدنا على الاتصال بعائلتنا وأصدقائنا والعالم المحيط بنا، وهذا يفسر الإحباط الشديد الذي يُصاب به فاقدو القدرة على الكلام بسبب مرض ما أو إصابة”، وأضاف “قد تساعد دراستنا على استعادة هذه القدرة؛ إذ أثبتنا أن استخدام التقنية الصحيحة يساعد على ترجمة الأفكار إلى كلام مفهوم”.

وكشفت عقود من البحث أن الدماغ يظهر أنماطاً نشطةً عند تحدث البشر أو تفكيرهم في الكلام. تندمج أنماط إشارات مميزة وقابلة للتعرف حينما نستمع إلى الحديث أو نفكر فيه، ويأمل الخبراء الذين يسعون إلى تسجيل هذه الأنماط وترجمتها مستقبلاً ألا تبقى الأفكار محبوسةً داخل الدماغ، بل تُترجم إلى حديث مفهوم عند الحاجة.

وكان تطوير هذه التقنية حافلاً بالتحديات؛ إذ ركزت الجهود الأولية لترجمة إشارات الدماغ على نماذج كمبيوترية بسيطة حللت التخطيط الطيفي، وهي تمثيلات بصرية لترددات الصوت، لكن فشل هذه المقاربة في إنتاج حديث مفهوم دفع الفريق إلى الاستعانة بـ”فوكودر”، وهي خوارزمية كمبيوترية تنتج الكلام بعد تدريبها على تسجيلات لبشر يتحدثون.

وقال ميسغاراني، الذي يعمل أيضاً أستاذا مساعدا في كلية الهندسة والعلوم التطبيقية في جامعة كولومبيا، إن التقنية ذاتها تستخدم في إيكو لأمازون وسيري لأبل، وتجيب صوتياً عن أسئلتنا.

قراءة المشاعر

يخطط ميسغاراني وفريقه لاختبار كلمات وجمل أكثر تعقيداً، ويعتزم إجراء الاختبارات ذاتها على إشارات الدماغ الصادرة عن شخص يتكلم أو مجرد كونه يفكر في الكلام، ويأمل أن يصبح النظام جزءاً من زرعة شبيهة بتلك التي تستخدم لدى مرضى الصرع أحيانا؛ ليترجم أفكار المتحدث مباشرةً إلى كلمات مسموعة.

وقال ميسغاراني، “إذا فكر صاحب الزرعة في حاجته إلى كوب ماء، سيستقبل نظامنا الإشارات المتولدة من هذه الفكرة، ويحولها إلى كلام مركب مسموع، وقد يقلب هذا النظام الموازين، ويمنح فاقدي القدرة على الكلام فرصةً جديدةً لإعادة الاتصال بالعالم المحيط”.وبنفس الطريقة التي أثبت فيها الذكاء الاصطناعي القدرة على تطوير نفسه دون حاجة إلى التدخل البشري، كشفت دراسة صدرت مؤخرا، ودرس فيها الباحثون 8 أنظمة ذكاء اصطناعي متخصصة في قراءة الوجوه تلقائيا، أنّ دقة التعرف البشري على المشاعر بلغت 72 في المئة، في حين تراوحت دقة أنظمة الذكاء الاصطناعي بين 48 و62 في المئة.

وأوضح الدكتور داميان دوبريه، المساهم الرئيسي في الدراسة، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تلخّص المشاعر البشرية في 6 مشاعر رئيسية، ولكن يصعب عليها فهم المشاعر المتداخلة.

واعتبر دوبريه أن من السهل تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تمتلك القدرة على تمييز المشاعر البشرية خلال تعبير الوجه، ولكن معظمها بُني على أدلة علمية غير حاسمة، وعلى الشركات العاملة في أنظمة الذكاء الاصطناعي الحذر من أن النتائج لا تدل على مقدار المشاعر المحسوسة، بل هي مقياس لمدى تطابق وجه الشخص مع وجهٍ يستجيب لأحد المشاعر الستة الأساسية.

وأشارت الدراسة إلى أن نتائج الذكاء الاصطناعي في التعرف على المشاعر العفوية انخفضت، ولكنها تحسنت مع المشاعر المصطنعة.

يجب على العالم أن يتهيأ لقبول فكرة سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشر يوما ما، وأن يجد الحلول المناسبة لتلافي أي صدام قد ينشأ عن تضارب المصالح.