المرحلة المقبلة، ستكون مرحلة بروز دولة الإمارات على الساحة العالمية، بشكل أكبر وأكثر وضوحا، لتحتل موقعا مميزا ضمن الفاعلين الدوليين الأساسيين الحاضرين في مختلف المجالات التنموية، والمناسبات الحضارية، التي تبرز القيم الإنسانية، وتقلل من الاحتكاك الذي ينشب لأسباب ثقافية وسياسية.

يمكننا النظر إلى هذا العصر أو الحقبة باعتبارها فرصة تضع الإمارات في الواجهة العالمية، وضمن المؤثرين في القرارات الدولية والإقليمية، وسيتركز النفوذ الإماراتي وتأثيره في الدبلوماسية الناعمة، وفي المقابل يحملها هذا الكثير من المسؤوليات على الساحة الدولية، المليئة بالكثير من الملفات المفتوحة التي تحتاج إلى حلول.

هذا التصور لدور دولة الإمارات المقبل، يستند إلى قرارات وإجراءات عديدة قامت بها خلال الفترة الماضية، وكان أغلبها ينصب في خدمة الأمن والاستقرار الدوليين. تعدد هذه القرارات وتراكمها على مرّ السنين، كوّنا رأيا سياسيا عاما مستمدا من مراكز الدراسات وبيوت الخبرة العالمية، التي تساعد في صناعة القرارات الدولية، وتخلق رأيا عاما إعلاميا إيجابيا.

الكل يتحدث اليوم عن قصص النجاح الإماراتية، سواء كانوا من الأشقاء العرب، أو من الأصدقاء، ويتم استحضارها – تلك القصص – ليس في العالم الثالث فقط، ولكن في العالم المتقدم أيضا، أو تلك الدول التي كانت تسبق الإمارات في النمو.

هناك قصص تنموية عديدة يمكن سردها، سواء اقتصادية أو تعليمية، أو حتى في فن إدارة الأزمات بمختلف أنواعها الاقتصادية والطبيعية والسياسية؛ على سبيل المثال انتشر في الأيام القليلة الماضية مقطع تسجيلي لمداخلة من مواطنة بريطانية، تعيش في الإمارات، تقارن بين تعامل بلادها مع مواطنيها لحمايتهم من تداعيات “أزمة كورونا”، وبين ما تفعله دولة الإمارات في تعاملها مع كل الناس بمختلف جنسياتهم، ومن بينهم كان زوجها وابنتها، وكانا في طريقهما إلى لندن من مطار دبي، ما قالته جعل المذيع البريطاني يتوقف مذهولا، يكاد لا يصدق ما يسمعه، مع أنها نقلت التجربة عن زوجها وابنتها.

عمليا انتهى عصر القوة الصلدة، وعصر إجبار الناس على الالتزام بسلوكيات معينة؛ ممارسات مثل هذه قد تتسبب في انتقاد الشعوب لحكوماتها، إن لم يتم توظيفها لحماية المكتسبات الوطنية. ما يحدث مع نظامي إيران وتركيا حاليا، مثالا لاستخدام القوة بشكل خاطئ، فهما يطبقان تلك القوة في اتخاذ قرارات لا تخدم شعوبهما، على المدى القريب والبعيد أيضا.

لم يعد عصر الركون إلى التاريخ والتمسح بالإرث الثقافي، باعتبارهما أداتي تأثير ونفوذ على الساحة الدولية، يحتل الأهمية التي يتصورها الكثير؛ نحن في عصر يعتمد على تحقيق الطموحات الإنسانية، وبناء قصص حضارية جديدة، يشاهدها الجيل الحالي على حقيقتها، ويتعايش معها باعتبارها من إنتاجه، أي عصر الإنجازات، وبين هذه الدول بلدان عربية عديدة. لم تعد المساحات الجغرافية الكبيرة، ميزة يتغنى بها، بقدر ما هي عامل ضعف، هناك دول كثيرة مساحاتها كبيرة ولكن بلا فعالية، سواء على الساحة الدولية أو داخل البلد نفسه.

الحديث عن الصعود الإماراتي في الساحة الدولية ليس جديدا، إلا أن ما أنجزته خلال الفترة الأخيرة أكد ذلك الصعود وبقوة، وذلك نتيجة طبيعية لحضورها المؤثر في كل المجالات؛ خاصة المجالات التي لها علاقة باستشراف المستقبل، مثل غزو الفضاء، والذكاء الاصطناعي.

الاهتمام بالقضايا الإنسانية ليس نظريا فقط، بل مدعوما بأعمال حقيقية، حيث أرسلت رائد فضاء كبادرة أولى، كما أطلقت قمرين صناعيين لهما علاقة بخدمة الإنسانية، ووقفت بطريقة “مختلفة” في مواجهة أزمة كورونا، متبنية البعد الإنساني، مركزة على دعم البحث العلمي ومراكز الدراسات، واستضافت فعاليات ومنتديات عالمية، وأشرفت على توقيع وثيقة أخوة بين أكبر ديانتين عالميتين الإسلام والمسيحية، وغيرها من القضايا الأخرى، وكلها قرارات تحتاج إلى الجرأة والشجاعة إضافة إلى الإيمان، خاصة أنها غالبا ما تواجه بسيل من الانتقادات وحملات التشويه الإعلامية، من أصحاب الأجندات الأيديولوجية.

الإمارات تعيش اليوم أزهى مراحل نموها، والمؤشرات الميدانية تقول إن القادم أفضل وأجمل، في ظل قيادة تتمتع برؤية تستشرف المستقبل وتخطط له؛ رؤية تساعد على استباق الكثير من التداعيات والتحديات، سواء كانت تطالها، أو تطال غيرها من المجتمعات؛ مواقفها الواضحة في مواجهة تيارات الإسلام السياسي، والتنظيمات التي تفرعت عنه، خير مثال.

يحدث هذا الصعود في وقت نجد فيه دولا أخرى تسجل تراجعا في تصنيفها؛ لنجد أن من كان يصنف يوما بين دول العالم الأول، بات اليوم يعتبر الإمارات نموذجا يحتذى به للعودة إلى تسجيل الحضور على الصعيد الدولي. أغلب الدول، التي كانت يوما تصنف بين الدول الكبرى، تنتهج نفس الخطوات التي أدت لصعود دولة الإمارات، التي تسير بثبات لتكون واحدة من أكثر دول العالم تأثيرا؛ توجه دفة العمل السياسي، وتشارك في صناعة القرار.