عالم بريطاني: «كورونا غير قابل للسيطرة»، عالم بريطاني: «كورونا قد يتلاشى تمامًا قبل تطوير لقاح»، هكذا تتوالى الأخبار الصحفية الخاصة بكورونا منذ ظهور الوباء، الخبر ونفيه، المعلومة ونقيضها.

قد يتصور البعض أن ذلك التفاوت ناجم عن تفاوت مستوى العلماء، ولكن هذا غير صحيح، فأطباء وباحثون وعلماء متساوون من حيث مكانتهم العلمية، ومع ذلك هم مختلفون إلى حدِّ التضاد.

نموذجًا لذلك، العالم البريطاني الذي صرح بعدم إمكانية السيطرة على الفيروس يعمل رئيسًا لقسم «الجينوم الفيروسي» في جامعة غلاسكو، والعالم البريطاني الذي صرح بتلاشي الفيروس، يعمل عميدًا لكلية الطب جامعة باكنغهام.

إن المشهد يمتدّ إلى علماء حائزين على نوبل للطب، هذا في طريق وذاك في طريق آخر، وتمتدّ مساحة الاختلاف بدورها إلى معظم الناتج العلمي للجامعات ومراكز الأبحاث والمختبرات.

لقد خلق ذلك الاضطراب البحثي حالة من الشتات الذهني لدى غير المتخصصين، وربما أدى ذلك إلى تراجع هيبة العلم لديهم.

وإن الاختلاف واسع النطاق في العلوم الاجتماعية أمرٌ وارد، فذلك من طبائع العلوم الإنسانية.. في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وفي علم النفس والقانون والفلسفة، ولكن من طبائع العلوم البحتة الانضباط والصلابة، ومن طبائع علوم الأحياء والطب التماسك والقوة.

لقد بدَا الأمر وكأنَّ عدوى كورونا قد توازت مع عدوى أخرى، حيث نقلت «اللايقين» من العلوم الاجتماعية إلى العلوم الطبيعية، وراح القراء والمشاهدون يتساءلون مع كل خبر يقرأون أو يشاهدون: ما هو الصواب؟، هل يمكث الفيروس على الأسطح أم لا يمكث؟، وهل يمكث أيامًا أم ساعات؟، هل ينتقل الفيروس عبر الهواء أم لا ينتقل؟، هل تكفي مسافة متر واحد أم الأربعة أمتار لتفادي العدوى؟، هل تحمي «الكمامات» حقًا من العدوى أم أن الوقاية غير مؤكدة؟، هل يمكن للفيروس أن يصيب الإنسان مرة ثانية بعد تعافيه.. أم لا؟، هل يؤدي ارتفاع درجات الحرارة واختلاف درجات الرطوبة إلى النيل من الفيروس أم لا؟، هل تؤدي الطفرات المستمرة إلى إضعاف الفيروس وتباطؤ العدوى وتراجع الخطر أم يضاعف من ذلك كله؟

في تقديري.. إن ذلك الاختلاف هو أمر طبيعي، فالفيروس غامض وعاصف وخطير، وعدة أشهر لا تكفي للوصول إلى يقين، فلقد زاد عدد الفرق العلمية التي تبحث لقاح كورونا إلى أكثر من 100 فريق، وهناك (124) اقتراحًا أمام منظمة الصحة العالمية منها (8) مشاريع لقاح قدمتها روسيا.

لا يجب أن يؤدي ذلك إلى تراجع هيبة العلم، وحتى لو تشكك كثيرون من الأمريكيين في دقة اللقاح حال إنتاجه واحتمال عدم تعاطيه، بل يجب أن يظل العلم موضع الاهتمام والاحترام.

إن المسؤولية الكبري تقع على عاتق السياسيين وليس العلماء، فلطالما أُنفقت تريليونات الدولارات على السلاح والفضاء في غيبة الإنسان، واليوم بات العالم يدرك أن الخلية أقرب من المريخ، وأن الفيروس أخطر من المفاعل، والصحة هي الحياة، والطب هو الحضارة.