عماد الدين أديب

المرأة والسياسة فى العالم العربى تكونان فى حالة شديدة الإيلام فى المائة سنة الأولى! وبعد ذلك يتم الاعتياد عليهما وتحمُّل مشاكلهما!

لا أحد يفهم بالضبط هل بعض صناع القرار، بعض النخبة، بعض الساسة، بعض الأحزاب، يعشقون الإضرار بمصالحهم العامة والخاصة.

لن أحدثكم عن القيم، ولا المبادئ، ولا الأخلاقيات، ولا الإنسانية، فقط سوف أحدثكم عن المصالح الذاتية.

قررنا فى هذه المنطقة من العالم ألا نواجه أنفسنا بأخطائنا، ولا نطرح الأسئلة الجوهرية، ونهرب إلى أى مكان، وإلى أى تفسير يبعدنا عن المسئولية الفعلية، عن حالة التدهور والاستضعاف التى تعيشها هذه المنطقة منذ قرون.

ولن يجد العالم السياسى «مايكل باركون» تطبيقاً حرفياً لرؤيته حول نظرية المؤامرة مثل الأوضاع فى منطقتنا هذه.

يقول «باركون» إن أنصار نظرية المؤامرة يؤمنون بأن الكون محكوم بتصميم ما، وليس بالصدفة، وتتحكم فيه 3 مبادئ:

1- لا شىء يحدث بالصدفة.

2- لا شىء يبدو كما هو عليه.

3- كل شىء مرتبط ببعضه!

هنا نسأل:

هل من مصلحة السياسى الذاتية أن يحسن إدارة الأزمات؟

هل من مصلحة السياسى، أى سياسى، أن يحسن منع الأضرار وخطورة تحولها من أزمة إلى ضرر، ومن ضرر إلى انفلات، ومن انفلات إلى فوضى؟

أليس من مصلحة السياسى، أى سياسى، أن يكون لديه مركز معلومات دقيق، ومركز تحليل علمى لهذه المعلومات، وفريق استشارات علمى كفء ونزيه قادر على التحليل والتنبؤ وعرض البدائل وتقديم الحلول؟

أليس من مصلحة الحاكم، أى حاكم، أن يكون ممسكاً بنبض الشارع السياسى ببلاده، واعياً بحجم الرضاء أو الاستياء عنه وعن قراراته؟

أليس مفيداً ومهماً لأى حاكم أن يكون ملمّاً بتأثيرات الوضع الإقليمى المحيط به، والمعرفة الكاملة بكيفية تأمين الوجود والحدود وإقامة التحالفات الإقليمية وتحييد الأعداء الحاليين ومنع الأعداء المرتقبين؟

إذا كانت الإجابات عن كل هذه الأسئلة «نعم بالتأكيد» هذه الأمور كلها من مصلحة أى صاحب قرار، فلماذا لا نسعى إليها؟ ولماذا لا نسعى إلى تطبيقها؟ ولماذا نفعل عكسها تماماً؟

دائماً لدينا تفسير المؤامرة الكونية التى تحاك لنا من الخارج.

هذا التفسير الذى نردده ليل نهار هو تفسير مريح للغاية لأنه -ببساطة- يعفينا من المسئولية الكاملة عما يحدث لنا من كوارث وصدمات وخيبات أمل كبرى، ويلقى بالمسئولية كاملة على الغير.

إن منهج «أنا لم أخطئ ولكن غيرى هو المتآمر المخطئ»، هو «شماعة عبقرية»، لكنها الآن أصبحت غير ذات معنى.

انتهى العمر الافتراضى لتفسير المؤامرة الخارجية التى تحاك ضدنا.

لماذا؟ لأنها لو صحت واستطعنا إقناع كل سكان كوكب الأرض بها سوف نطرح سؤالاً عبقرياً وهو: إذا كنتم تعرفون أنها مؤامرة بالفعل فماذا فعلتم لمنعها؟ وحينما تمت بالفعل ماذا فعلتم لمواجهة آثارها؟ وماذا أنتم فاعلون لمنع تكرارها؟

انتهت الخلافة الأموية وقلنا مؤامرة، وتغيرت الخلافة العباسية وصرخنا مؤامرة، وضاعت الأندلس وفسرنا ذلك بمؤامرة صليبية، وعشنا تحت ذل واستبداد الخلافة العثمانية «لأنها مؤامرة»، واجتاحنا الإنجليز والفرنسيون بسبب مؤامرة سايكس بيكو، وضاعت فلسطين بسبب مؤامرة التقسيم، وضاعت أراضى 4 دول عربية وفقدنا القدس الشريف بسبب تآمر الكبار مع إسرائيل فى 1967، وضاعت سيادة اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، والصومال، وأفغانستان بسبب المؤامرة.

كلها مؤامرات خارجية من الكبار ولم يتحدث أحد عن القاتل الأساسى، والمتآمر الكبير وهو «نحن».

نحن أعظم المتآمرين على أنفسنا!

نحن نثبت أن المؤامرات الأكثر نجاحاً فى المنطقة هى «صناعة وطنية محلية» بامتياز!

منذ 5 آلاف سنة من عهد الآشوريين والفينيقيين والفراعنة والعرب والأدارسة ونحن نعيش على أمل أن أول مائة سنة فى استباب الحكم واستقرار البلاد والعباد سوف تكون صعبة، وبعد ذلك كله تمام!

ما زلنا نجلس على مقهى التاريخ منذ آلاف السنين ننعى حظنا فى ضياع الأراضى، والحضارات، والثروات العربية، ونلقى باللوم على فكرة المؤامرة الخارجية!

لعن الله المؤامرة، والمتآمرين، ومن صنعها، ومن تحجج بها.