تراجعت الأوطان في العقول والقلوب العربية لمصلحة الولاءات الطائفية والعرقية، ولمصلحة جماعات إرهابية، على رأسها الإخوان، تزعم زوراً انتماءها للإسلام.
وبلغ العقل الجمعي العربي حالة خطيرة من التردي إلى مرحلة ليس دونها مرحلة، وأذكر أن العرب في الماضي كانوا يهتفون: الاستقلال التام أو الموت الزؤام، أما الآن فإن معظم العرب يفاضلون بين احتلال مسلم واحتلال كافر، ويقولون: إن الاحتلال التركي أو الإيراني خير من الاحتلال الأمريكي أو الروسي، أما فكرة الاستقلال فلم يعد لها وجود.
وقد كتب أحد المحسوبين على المثقفين في منشور له على موقع فيسبوك: «أردوغان يؤدي أول صلاة جمعة في مسجد آيا صوفيا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين»، إلى هذا الحد بلغ التردي مداه وصار التحاور مع هذه النوعيات المغيَّبة عبثاً ورفثاً وفسوقاً وعصياناً.
لقد أصبحت ورقة الإسلام التي يلعب بها أردوغان وحكام إيران تؤتي أُكلها لدى العرب الذين يريدون انتصار الإسلام ولو باحتلال أوطانهم، وبلغ الأمر في مصر مثلاً مستوى الترحيب باحتلال أردوغان لليبيا أو حتى مصر، رفعاً لراية الإسلام، كما بلغ حد الشماتة في الوطن بعد ما تم ترويجه عن ملء إثيوبيا خزان سد النهضة، تماماً كما كان يحدث إبان الاستعمار البريطاني لمصر، عندما كانت مجموعات يقودها الإخوان تنظِّم مظاهرات إبان الحرب العالمية الثانية تهتف: إلى الأمام يا روميل! وهو القائد الألماني في معركة العلمين الشهيرة، ويقصدون أن يتقدم روميل لاحتلال القاهرة وطرد المحتل البريطاني، والآن يقولون: إلى الأمام يا أردوغان من أجل عزة الإسلام والمسلمين، وإلى الأمام يا خامنئي من أجل الموت لأمريكا والموت لإسرائيل والنصر للإسلام، ذلك النشيد الذي يردده الحوثيون في اليمن.
كثيرون من العرب وكلاء لأردوغان وخامنئي في أوطانهم صاروا مطيّة لتحقيق مآرب المحتلين الغاصبين والقتلة، بل صاروا الورقة الرابحة لتغييب العقل العربي، وجعله يرحب بالاحتلال بدلاً من المقاومة، وتغيَّرت أساليب الاستخبارات الدولية والإقليمية وتحولت من تجنيد النساء وضخ الأموال للسيطرة على الدول، إلى تجنيد الإسلام والمسلمين لتخريب أوطانهم، وجعل الاحتلال فتحاً إسلاميّاً مبيناً.. وهكذا يصبح كل من يرفض الاحتلال كافراً وزنديقاً، لأنه لا يريد عزة الإسلام والمسلمين، ويتم وضع هذا الرافض للاحتلال في مواجهة مباشرة مع الدين، ليسكت كل صوت رافض، بينما تعلو أصوات المؤيدين للاحتلال، فويلٌ لنا جميعاً ممن جعلوا الدين غواية بعد أن كان غاية!
التعليقات