إن الرياض نجحت مجددًا بإبراز دورها المؤثر في الملف اليمني، و"صناعة المسؤولية السياسية"، عبر إشراك الشخصيات والهيئات السياسية اليمنية، وتقريب وجهات نظرهم فيما بينهم، والوصول إلى الاتفاق الأخير، واستطاعت بذلك تحميل الجميع مسؤولية تحقيق الأمن والاستقرار من خلال العمل الوطني المشترك..

ربما السؤال المركزي والكبير في الحالة اليمنية هو: لماذا يثق المجتمع الدولي، والمكونات السياسية اليمنية في اتفاق الرياض؟.. الإجابة باختصار، لإدراكهم العميق بأن المظلة السعودية وقيادتها الحيوية، هي الضامنة الوحيدة بعد الله عز وجل، في تحقيق الاستقرار الذي تنشده أرض السعيدة منذ أكثر من 5 سنوات، وقدرتها الكبيرة بما تملكه من ثقل إقليمي ودولي على إنهاء حالة التشظي.

صحيح أن تنفيذ بنود اتفاق الرياض، الذي جرى بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، لإنهاء التصعيد والصراع العسكري مر بـ"انتكاسة مؤقتة"، إلا أن المنهجية السياسية السعودية الفاعلة، استطاعت إعادة البوصلة إلى مسارها الصحيح، وإقناع طرفي الاتفاق بآليات تسريع تنفيذ الاتفاق، ويمثل ذلك إنجازاً سياسياً، سيسهم بمشيئة الله في حقن دماء الشعب اليمني وخروج أرض الحضارة من أزماتها العسكرية والأمنية، وبالتالي تحسين الوضع الإنساني والخدمي والاقتصادي للمواطن المنهك من حدة هذه الصراعات.

أستطيع القول وبثقة كاملة: إن الآلية المقترحة لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض، تمثل نقلة نوعية للخروج من بؤر الأزمة، والتي جاءت بتشكيل حكومة كفاءات سياسية من ذوي الخبرة والنزاهة، وتناصف عدد الوزارات بين المحافظات الجنوبية والشمالية، وتضم وزراء من المجلس الانتقالي.. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا توحيد الصف، وتفعيل مؤسسات الدولة لخدمة المواطن اليمني وتلبية احتياجاته المعيشية.

استطاعت السعودية مجددًا، أن تُعيد بوصلة الأمور إلى نصابها، وهو ما يمكن قراءته من بين ثنايا الموقف الأميركي الأخير المؤيد لآليات تسريع تنفيذ الاتفاق، من خلال ما نشره سفيرها في الرياض جون أبي زيد، والذي ركز - بنظري - على ثلاثة أبعاد رئيسة: الأول تأييدها المطلق لجهود المملكة السياسية لإنهاء الصراع في جنوب اليمن بشكل قطعي، والثاني اقتناعها الكامل بأن الاتفاق سيصنع السلام اليمني الشامل، والبُعد الثالث والأهم هو الضغط غير المباشر على الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات والحوار، وإنهاء الانقلاب بشكل نهائي.

لقد أدى تطبيق آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض، إلى عودة الأوضاع في عدن والمحافظات الجنوبية إلى ما كانت عليه، ووقف إطلاق النار والتصعيد بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، وإعلان الأخير التخلي عن الإدارة الذاتية.

أثبتت القيادة السعودية مجددًا لجميع الأطراف بموقفها المساند للقضية اليمنية ودورها في رأب الصدع بين الأشقاء، باعتبارها طرفاً رئيساً غير منحاز لأي حلول في اليمن والمنطقة، وتأكيدها أن هدفها من ذلك حقن الدماء، والوصول إلى حل سلمي توافقي مبني على المرجعيات والمبادئ الرئيسة.

تُعد رسالة السعودية واضحة من خلف تسريع آليات تنفيذ اتفاق الرياض، وهي أن تحالف دعم الشرعية الذي تقوده المملكة سيستمر في دعم الحكومة الشرعية اليمنية، ومساند أيضًا لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى الحل السياسي الشامل للأزمة اليمنية، وفق المرجعيات الثلاث وبما يتوافق عليه أبناء الشعب اليمني.

ويعكس الإعلان عن آلية تسريع العمل باتفاق الرياض، نجاح جهود المملكة السياسية المستمرة في التمسك بمنهج الحكمة والتوازن للتعامل مع الطرفين، بما يضمن بقاء الجميع على طاولة المفاوضات والاحتكام إلى الحل السياسي عوضاً عن الحلول العسكرية التي أدخلت البلاد في خط أزمات جديدة هي في غنى عنها.

وبرأيي المتواضع، ولقربي من تفاصيل الحالة اليمنية منذ سنوات ليست بالقليلة، يمثل الإطار التفعيلي الجديد لاتفاق الرياض فرصة لتكريس الوحدة الوطنية، وأمن البلاد واستقرارها، والتخفيف من آثار التحديات الاقتصادية والتنموية التي تعاني منها البلاد منذ انقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في 21 سبتمر 2014 بدعم وتسليح إيراني مباشر ومعلوم للقاصي والداني.

قدمت الرؤية السياسية السعودية دليلًا على إمكانية معالجة الخلافات بالطرق السلمية، والمساهمة الفعالة في تهيئة الظروف، وهو ما يمُهد الطريق أمام جهود المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث، للتوصل إلى حل سياسي شامل ينهي الأزمة ويحد من الوجود الإيراني التخريبي في أرض السعيدة، واستعادة كامل مؤسسات الدولة لخدمة الشعب اليمني والرفع من معاناته وتحسين ظروفه المعيشية وسبُل تنميته في مختلف المجالات.

الأهم من ذلك جُله، أن الرياض نجحت مجددًا بإبراز دورها المؤثر في الملف اليمني، و"صناعة المسؤولية السياسية"، عبر إشراك الشخصيات والهيئات السياسية اليمنية، وتقريب وجهات نظرهم فيما بينهم، والوصول إلى الاتفاق الأخير، واستطاعت بذلك تحميل الجميع مسؤولية تحقيق الأمن والاستقرار من خلال العمل الوطني المشترك.