يُحكى أن بدوياً تائهاً في لبنان استوقفته سيدة لتسأله: وين الضيعة؟ فرد عليها: الضيعة والله اللي أنا فيها... الحكاية نفسها تتكرر، كل يغني على «ضيعاه»!

نقرر كل ليلة أن نصحو على صباح جميل، نخطط له قبل النوم، نجهز ثياب الرياضة لممارسة تمارين الصباح، وفناجين القهوة، ونختار الأغنيات التي سنسمعها، والعطر الذي سنستحم به والثياب التي سنرتديها قبل مغادرتنا، ونحلم طول الليل بهذا الصباح الذي لا يشغل تفكيرنا فيه أبعد من أن نضيف الحليب على قهوتنا أو نتناولها سوداء.

وتبقى كل استعداداتنا مع وقف التنفيذ حين يداهمنا الصباح فنصحو على خبر فقدان عزيز، أو انقطاع الكهرباء، أو صوت السباك وهو يصلح المجاري التي فاضت أثناء نومنا، وهكذا بتنا نحلم بأصبوحة كما لو كنا في الضيعة... فصحونا على ضيعة!

الشاهد من الوقائع أن الواقع لا يمكننا تغييره مهما حاولنا بل إننا نمضي جل حياتنا في صراع من يغير الثاني؟ نحاول أن نغير تكيفنا مع الحياة، طالما عجزنا عن تكييفها معنا وتحاول الحياة أن تغيّر فينا كل ما حاولنا تغييره فيها ولا غالب إلا الله.

تفتح الحياة كل يوم لنا تجربة جديدة، ونحاول أن نعيش التجربة بكل مشاعرنا، لكن الحياة ومن دون أن تشعر تنسحب منا إلى حياة أخرى، لا نعرفها نجد أنفسنا نعيش فيها من دون حياة، كالحياة التي نعيشها الآن تحت وطأة الكورونا: «جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً، فمشيت وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري!»
بين ضيعة وضياع... أحمد ربي أني أجد من يقرأني كما أكتبني، لا كما كتبتني الحياة وأقلق على حياة الذين لا يكتبون.