لدي تساؤل، كم تعتقد يُكلفك تطبيق إلكتروني ظريف يستهدف بشكل أساسي مشاركة مقاطع الفيديو الكوميدية؟ للوهلة الأولى ربما تُسارع بالإجابة "لا شيء" إذ إن أغلب التطبيقات الترفيهية هذه الأيام تُطرح مجانًا للجمهور دون الحاجة لاشتراكات شهرية، بل إن بعضها يمنح المُستخدمين اللامعين عوائد مادية مقابل تحفيز الحركات الإعلانية وإضافتها بين المحتويات المنشورة، ولكن للأسف يمكن رصد جانب أكثر قتامة لقصة التطبيقات الترفيهية، وتحديدًا ما نقدمه لها نحن كمستخدمين مقابل ساعات التسلية والضحك، في الحقيقة أحيانًا ما ندفع مقابل بعملة غير مرئية، وهي البيانات، بيناتنا الشخصية التي نقرر رفع الستار عنها في ثوان معدودة بينما نضغط زر Allow Access أثناء تحميل تطبيق جديد، فتصبح أنماط استهلاكنا وتواريخ استخدامنا لمحركات البحث وغير من التفاصيل الشخصية محض نقاط تعريفية عن ذواتنا تستخدمها الشركات الكبرى في تسويق خدماتها ومنتجاتها بشكل يبدو ربما بالنظرة السطحية مريح لنا، إلا أنه في الحقيقة مهدد ومدمر لما نألفه من قواعد الخصوصية.

في تحليل نُشر مؤخرًا بوول ستريت جورنال، تسلط الصحيفة الضوء على كشفٍ بيانّي استطاعت رصده فيما يخُص تطبيق تيك توك الشائع في أوساط المراهقين حول العالم، بينما في الخلفية، تلوح جنسية الشركة الصينية المالكة للتطبيق، مرشحة العديد من نظريّات التآمر على الأمن القومي، في زخم خوض البيت الأبيض حربًا ضروس ضد التطبيق ذائع الصيت. ففي الوقت الذي كشفت فيه الصحيفة عن استخدام التطبيق لطريقة ما لتتبُع بيانات المستخدمين ونشاطهم على الشبكة العنكبوتية كانت جوجل قد حظرتها من قبل، فضلاً عن عدم سماحه لهم بإلغاء الاشتراك. نتحدث هنا عن ملايين المستخدمين حول العالم، ولمدة لا تقل عن 18 شهرًا، فوفقًا لتيك توك، علّق التطبيق توظيف هذه الخاصية المحظورة نوفمبر من العام الماضي، بيد أن تحليل وول ستريت يرشّح أن التطبيق عن سبق إصرار، أضاف طبقة تشفير غير اعتيادية لهذه الخاصية جعلت المستخدمين لا يعلمون عنها شيئًا، وأورثها المزيد من الرسوخ على هواتفهم.

التخابر مع الحكومة الصينية وتقديم بيانات المستخدمين على طبق من ذهب لها بالتأكيد كانت اتهامات جاهزة وقد تكون مفهومة في إطار هذا الزخم الذي أشرنا إليه آنفًا، بين تيك توك والبيت الأبيض الذي يستعد لحظره، غير أن تعليقات خبراء عالميين في الأمن الرقمي تستبعد احتمال التخابر ذاك، وترجح احتمالية أن البيانات المرصودة وُظّفت في أغراض إعلانية، ورُبما لتحفيز تجربة تصفُح أكثر اتساقًا مع النشاط الإلكتروني للمستخدمين ما يزيد من ساعات التواجُد على التطبيق والالتصاق به دون غيره من قبلهم، الاحتمالية التي أرى أنما لا تقل خطورة وجدية عن الأولى، فتحفيز التطبيق لسلوك إدماني واضح لا لبس فيه تجاهه في حق ملايين المستخدمين خطير بدوره.

مرة تلو الأخرى، تدفعنا الحوادث والوقائع العالمية المتتالية إلى التشديد على أهمية توطين أنفسنا والأجيال القادمة على أهمية قضايا الأمن السيبراني وتأثيرها المباشر على حياتنا الخاصة والمهنية وفي بعض الأحيان أمننا القومي، فالثقافة الرقمية لم تعد رفاهية، وما دمنا نتوغل يومًا بعد يوم في تسخير الوسائل الرقمية لجعل يومياتنا أيسر، فعلينا التسلح بالوسائل المناسبة لحماية بياناتنا الخاصة، وعلينا التريث دائمًا وأبدًا قبل الإقدام على شراء أو استخدام تطبيقات جديدة، فلا نترفع على القراءة والبحث، والاستفادة من التقييمات السابقة قبل اتخاذ قرارات تبدو بسيطة وروتينية إلا أن تكلفتها باهظة.