صرّح النائب العراقي فايق الشيخ علي، من خلال قناة عراقية، ومن شقته «الآمنة» في الكويت، التي يجد بها ما لا يجده في وطنه من أمن وحرية واحترام، صرح بالتالي:

«... أنتم تدرون أن القصيم وبريدة وعنيزة كلها أقضية تابعة للواء البصرة؟ والكويت تابعة للواء البصرة، والسعودية والرياض ونجد (!!) تابعة للواء البصرة، والأحساء والقطيف تابعتان للواء البصرة؟ فجميع هذه الأقضية تابعة للعراق، حتى قطر تابعة للعراق، وهذا ليس من الزمن البابلي، بل قبل 140 عاماً (من 1875 وحتى 1914) عندما دخل البريطانيون العراق!!».

***

كان من المفترض تجاهل هذا الهراء، لولا صدوره من نائب في البرلمان العراقي ومن شخص كنا نتوسم فيه، من سابق معرفتنا الشخصية، الفهم والليبرالية والانفتاح والعقل الراجح، وإذ به متعصب كالكثيرين غيره من العراقيين المتعلّقين بأوهام أوهن من خيوط العنكبوت.

كما أصبح الرد أكثر من ضروري بعد قيامه بالرد، بتبريرات ضعيفة، على رسالة الصديق والزميل سامي النصف له، وإصرار الشيخ علي على موقفه، وإمعانه في غيه. فهو مصرّ على أن المنطقة برمتها كانت تتبع لواء البصرة، ويسكت من دون أن يكمل ويذكر حقيقة أن اللواء والعراق برمته كان خلال الفترة التي ذكرها، ولمئات السنين قبلها، منطقة تابعة بالكامل للدولة العثمانية، وتدار شؤونها من الباب العالي في الأستانة.

كما أن القول بتبعية دولة أو قضاء لدولة استعمارية في حقبة من الزمن لا تعني شيئاً أساساً، خارج السرد التاريخي، هذا إن صحت التبعية أساساً. فكلام فائق الشيخ علي لا فائدة منه غير دغدغة «غرائز» الدهماء الذين يبحثون عن مأتم للطم فيه. فقد حكم البريطانيون بالحديد والنار أو بقرارات أممية عشرات دول العالم شرقاً وغرباً، ومنها الهند والولايات المتحدة، وحتى أجزاء كبيرة من الصين، ولم يعطها إنسان عاقل الحق في التغني بتاريخها الاستعماري السابق والادعاء بتبعية تلك المناطق أو الدول لها، والأمر يسري على كل دولة استعمارية سبقتها من إمبراطورية كورش الفارسية قبل 2500 عام، مروراً بعشرات غيرها طوال تاريخ العالم الظالم، فمن المستحيل أن تكون القوة الحاكمة لغيرها عادلة، فبماذا يفتخر الأخ فائق؟ فحتى لو افترضنا صحة أقواله، الممتلئة بالتناقضات، فهل كان استعمار أو احتلال العراق لكل الدول والمدن التي وردت على لسانه أمراً يستحق الإشادة به، وهو مخالف للواقع من جهة، وأمر غير مشرّف أصلاً من جهة ثانية؟

إن أواصر الصداقة والوفاء كانت تحتم عليه، وهو القانوني الضليع، والبرلماني الخبير، عدم الانجرار وراء مثل هذه الأوهام بحجة أنه كان يريد أن يبين ما كان العراق عليه يوماً، في معرض تفاخره أمام نفوذ الإيرانيين في وطنه، وبالتالي نتوقع منه الاعتذار عما بدر منه في حق وطن استضافه ولا يزال. هذا بخلاف أن التغني بأمجاد الماضي ما هو إلا تخدير مضرّ، فإن حق له التغني بتاريخ العراق الاستعماري، فبالتبعية يحق لشعوب كورش والتتار والبريطانيين وسلاطين بني عثمان التغني بتاريخهم الاستعماري في العراق.