ودعت الكويت حاكمها الخامس عشر.. المغفور له الشيخ صباح الأحمد في أجواء حزينة ضاعفها عجز الكثير من المواطنين عن المشاركة في تشييع الفقيد بسبب الإجراءات الصحية الناجمة عن كورونا.

وقد سبق مشهد الوداع.. قسم الأمير الشيخ نواف الأحمد، الذي أداه في قاعة عبدالله السالم بمجلس الأمة قائلا في كلمته «إننا نؤكد اعتزازنا بدستورنا ونهجنا الديموقراطي ونفتخر بكويتنا دولة القانون». وبالفعل فقد حصّن مثل هذا القسم والعهد الكويت والكويتيين ومكّنهم من مواجهة أزمات كثيرة.. أبرزها ما حدث في مؤتمر جدة إبان الاحتلال، حين تحصّن الجميع آنذاك بالدستور كوثيقة وكعهد جمع كلمتهم في تلك الظروف الحرجة وألّف بين قلوبهم.. ثم جاء الدستور ليكون الفيصل في أزمة الحكم عام 2006، وذلك حين تم تفعيل المادة الثالثة من قانون توارث الإمارة، والذي تمت على إثره تزكية الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد من قِبَل مجلس الوزراء.. ومن ثم مبايعته من قِبَل مجلس الأمة.

تأتي آليات انتقال السلطة في أي بلد كمؤشر على درجة الاستقرار وحجم التفاهم داخل منظومة المجتمع الواحد.. وهو ما ترجمه أهل الكويت عبر تاريخهم، حيث تمخّضت وثيقة 1921 عن مادة في الدستور الكويتي تُبيّن أسلوب تداول السلطة.. ففي تلك الوثيقة التي جاءت بمبادرة من أهل الكويت بعد وفاة الحاكم التاسع الشيخ سالم المبارك ما ينص على التالي «إصلاح بيت الصباح كي لا يجري بينهم خلاف في تعيين الحاكم».. وقد سارت الآلية على تحديد الأهالي لعدد من المرشحين من الأسرة.. على أن يختار الصباح واحدًا منهم.. وبالطبع فقد تطور الأمر هنا ليثبّت الدستور الكويتي فيما بعد قانون توارث الإمارة.

في الفقه السياسي.. يأتي التداول السلمي للسلطة كأحد المعايير البارزة والدالة على وجود نظام ديموقراطي سليم، كما أنه غالبًا ما يؤمّن وجود الأحزاب السياسية سلمية انتقال السلطة، وقد لا تكون في الكويت أحزاب سياسية معلنة، وإن كانت هنالك فعليًا تنظيمات وتيارات سياسية متفاعلة ونشطة.. ومع ذلك أي وبالرغم من غياب الأحزاب.. فإن انتقال السلطة في الكويت غالبًا ما كان سلسًا وسلميًا.. وذلك قبل أن يُقر الدستور وينظّم تلك الآلية بشكل حداثي وواضح وموثّق.

وها نحن اليوم نقف في وداع حاكم خدم الكويت وأدى أمانته ثم ترجّل.. لتنتقل المسؤولية الى حاكم جديد نتمنى له التوفيق في مهمته ومسؤوليته.

رحل الشيخ صباح الأحمد رحمه الله.. وجاء الأمير نواف الأحمد حفظه الله ليتسلم الأمانة.. وليُعلن من تحت قبة عبدالله السالم عن اعتزازه بالدستور وبالنهج الديموقراطي وبالقانون، فهي الحصن الذي يؤمّن الاستقرار الحقيقي والسلام والأمن الدائمين، وذلك وفقًا لما عبرت به الكويت تجارب ومن محطات وأزمات كان فيها الدستور طوق النجاة وبوصلة المستقبل الآمن، فعلى الرغم مما تحتويه دساتير عربية كثيرة من مواد حول أسلوب تداول السلطة.. فإن أغلبها لم يؤثّر فعليًا في حقيقة مسألة انتقال السلطة.. حيث بقيت أغلب البرلمانات والدساتير في خانة تقديم المشورة والرأي فقط.

رحم الله المغفور له الشيخ صباح الأحمد، وأعان الله الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد، فالأوضاع الإقليمية والدولية مثقلة بالأزمات والحروب وتداعيات الوباء.. أو كما ذكر في كلمة القسم من «أن وطننا يواجه اليوم ظروفًا دقيقة وتحديات خطيرة لا يمكن مواجهتها إلا بتضافر الجهود».. فخالص العزاء لأسرة الصباح الكرام وللشعب الكويتي الأبي برحيل المغفور له الشيخ صباح الأحمد.