في سياق جائحة كوفيد - 19، تواجه دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى طارئا يتعلق بالصحة العامة لم نشهد مثله من قبل في حياتنا المعاصرة، مقترنا بهبوط اقتصادي غير مسبوق. وتتسبب الجائحة في تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، ما يدعو إلى تحرك عاجل للحد من الضرر طويل الأجل الذي يهدد الدخول والنمو.
وكما يفيد التحليل الوارد في العدد الجديد من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي، فقد بادرت المنطقة باتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة لإنقاذ الأرواح وتدخلت بسياسات غير مسبوقة لتخفيف الأثر الاقتصادي السلبي لسياسات احتواء الجائحة، إلا أن التحديات لا تزال كثيرة.
فلنفكر في الانخفاضات الحادة في الطلب على النفط وأسعاره، التي يستند إليها توقعنا للنمو البالغ 6.6 في المائة عام 2020 للدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان MENAP. أو لننظر في الضرر الذي أصاب التجارة والسياحة، وكاد يمحو الآثار الإيجابية لانخفاض أسعار النفط في الدول المستوردة له في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان ما يؤدي إلى نمو متوقع قدره 1 في المائة بالنسبة لهذه الدول. وتتأثر دول القوقاز وآسيا الوسطى CCA أيضا، حيث يتوقع لها تسجيل انكماش قدره 2.1 في المائة في 2020، من جراء التباطؤ الحاد في الدول المستوردة للنفط في المنطقة.
وبينما تتصاعد التوترات الجغرافية - السياسية الحادة، تواجه دول المنطقة تراجعا في إيرادات المالية العامة، وزيادة في الديون، وارتفاعا في البطالة، وتزايدا في الفقر وعدم المساواة. وبالتطلع قدما إلى عام 2021، فإن الآفاق ستظل محفوفة بالتحديات رغم استئناف النمو المتوقع في معظم الدول.
فمن المرجح أن يظل الطلب الضعيف على النفط والمخزونات النفطية الكبيرة باعثين على القلق في الدول المصدرة للنفط، كما أن من المتوقع أن تظل أسعار النفط دون متوسطها في عام 2019 بنسبة 25 في المائة رغم اتفاقات «أوبك +» التي ساعدت على استقرارها.
ومن بواعث القلق الأساسية خطر حدوث آثار اقتصادية مزمنة، أي: خسائر طويلة الأجل في النمو والتوظيف والدخول. خصوصا، نقدر أنه بعد خمسة أعوام من الآن يمكن أن يكون إجمالي الناتج المحلي في دول المنطقة أقل بنسبة 12 في المائة من المستوى الذي كان متوقعا في ضوء اتجاهات ما قبل الأزمة. والأكثر من ذلك أن في الدول التي تعتمد كثيرا على قطاع السياحة الذي تضرر من الأزمة، من الممكن أن ينخفض كل من إجمالي الناتج المحلي والتوظيف حسب توقعات السيناريو الأساسي بنسبة خمس نقاط مئوية هذا العام، مع بقاء الآثار لفترة مقبلة تراوح بين عامين وخمسة أعوام، ويرتفع الفقر بأكثر من 3.5 في المائة عام 2020 إذا لم يتحقق تحسن في تحويلات العاملين في الخارج.
وستتسبب الجائحة في تفاقم التحديات الجسيمة التي تواجه الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات وقد تزيد من القلاقل الاجتماعية. ومن الممكن أن تؤدي الظروف المعيشية الصعبة للاجئين والنازحين داخليا إلى زيادة خطر تفشي جائحة كوفيد - 19.
وفي كثير من الدول، زاد عجز المالية العامة وارتفعت الديون بأحجام لم نشهدها طوال العقدين الماضيين، تاركة المنطقة عرضة لطفرة جديدة في الإصابة بالفيروس نظرا لأرجحية زيادة احتياجات الإنفاق وانخفاض الإيرادات الضريبية. وسيؤدي ارتفاع العجز أيضا إلى زيادة احتياجات التمويل في المنطقة بنسبة وسيطة قدرها 4.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
كذلك أدت الأزمة إلى ارتفاع مخاطر عجز الشركات عن السداد ومخاطر الائتمان في بنوك المنطقة، مع احتمال أن تبلغ الخسائر 190 مليار دولار أو 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وإذا ترك الوضع دون علاج، فإن هذه التطورات قد تهدد الاستقرار المالي وتفرض قيدا على المساعي المبذولة لزيادة الشمول المالي... يتبع.

*بقلم: جهاد أزعور وجويس وونج