الجزء الأول
بناء تعاف اقتصادي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى «1من 2»

رغم جسامة هذه التحديات وما يشوب الفترة المقبلة من ارتفاع عدم اليقين، فإننا نرى مسارا نحو المستقبل. فبينما تعمل الدول على احتواء خسائر الجائحة، يتعين أن يولي صناع السياسات اهتماما متزايدا لتخطيط التعافي المقبل وتوفير التمويل اللازم له، مع التركيز مجددا على بناء اقتصادات أكثر خضرة وصلابة وشمولا للجميع.
وفي المستقبل القريب، يظل احتواء الجائحة والحد من خسائر الدخل في صدارة الأولويات. ومع بداية انحسار الخطر الذي يهدد الصحة العامة، ينبغي أن تحول الدول تركيزها إلى تعزيز الشمول ومعالجة مواطن الضعف عن طريق دعم النشاط الاقتصادي دون إنشاء مخاطر لا داعي لها، وذلك باتباع مناهج محسوبة بدقة. فبالنسبة إلى الدول التي تمتلك حيزا ماليا في موازناتها العامة، كبعض الدول المصدرة للنفط، يمكن أن يؤدي توسيع الحزم التنشيطية إلى دعم الطلب. وفي الدول التي تمتلك حيزا ماليا أضيق، وهي تشمل معظم الدول المستوردة للنفط، ينبغي للحكومات إعادة توزيع الإنفاق لضمان حماية الإنفاق على الصحة والتعليم والاحتياجات الاجتماعية. ومع اكتساب التعافي زخما أكبر، ينبغي أن تعيد الدول بناء هوامش الأمان وتستكشف السبل الممكنة للتأكد من أن العبء الضريبي موزع بإنصاف وأن كل سنت من الإنفاق العام يحقق أفضل النتائج.
وثمة حاجة ملحة لضمان إتاحة الرعاية الصحية لكل العاملين في المنطقة، ولا سيما في الدول المصدرة للنفط، التي يعمل فيها عدد كبير من الوافدين. وينبغي أيضا للدول المصدرة للنفط أن تعطي أولوية لتوسيع نطاق الدعم حتى يشمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع البادئة كي يكون الرخاء الاقتصادي شاملا للجميع في المستقبل. وكما أوضحت الأزمة الحالية، سيكون من الضروري التعجيل بتنويع الاقتصاد والاستثمار في الشباب الحاصلين على مستوى جيد من التعليم. وسيتطلب هذا تشجيع بيئة مؤسسية داعمة لنمو القطاع الخاص، بيئة تقوم على قواعد عمل واضحة وقدر أقل من الروتين الإداري والفساد، ويكون فيها القطاع العام عاملا تمكينيا.
وفي الوقت نفسه، ينبغي للدول المستوردة للنفط أن تعزز بصورة دائمة شبكات الأمان الاجتماعي، وتعمل على تحسين تغطيتها واستهدافها، من خلال الحلول الرقمية. ومن شأن معالجة تركات الأزمة، خاصة الدين المرتفع وهوامش الأمان المتراجعة، أن تشكل ركيزة للتعافي. إضافة إلى ذلك، فإن الحد من الاعتماد الكبير على السياحة في كثير من الدول، مثل جورجيا والأردن ولبنان، وتحويلات العاملين في الخارج مثل قيرغيزستان، وطاجيكستان، ومصر، وباكستان، يساعد على تعزيز الصلابة أمام الصدمات الاقتصادية في المستقبل.
وأخيرا، فإن التهديد الذي يمثله تغير المناخ لا يزال تحديا وجوديا في وقتنا الراهن، وينطوي على كثير من الانعكاسات الجسيمة بالنسبة إلى المنطقة، خاصة الدول المصدرة للنفط التي ستواجه اقتصاداتها لحظة تحول مقبلة. وستتمكن المنطقة بفضل الاستثمارات في البنية التحتية الخضراء والابتكار، إلى جانب الزيادة المطردة في أسعار الكربون، ليس فقط من أداء دورها في تخفيض الانبعاثات العالمية، بل أيضا في إيجاد الوظائف والنمو لعصر جديد.
وإذ نواجه الطريق الصعب والمحفوف بعدم اليقين في الفترة المقبلة، سيكون التعاون متعدد الأطراف أهم من أي وقت مضى. فبالعمل معا، يستطيع صناع السياسات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية والمواطنون بناء مستقبل أفضل.
ونحن في صندوق النقد الدولي نقف إلى جانب دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وهي تواصل إنقاذ الأرواح وتبدأ بالتعافي. إضافة إلى تقديم المشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية، قدمنا تمويلا جديدا بقيمة 17 مليار دولار منذ بداية العام، منه ستة مليارات في شكل دعم طارئ لعشر دول تنتمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان والقوقاز وآسيا الوسطى، ونتيجة لذلك، زادت قروض الصندوق القائمة للمنطقة 50 في المائة تقريبا. وسنواصل تقديم دعمنا للدول في هذه الفترة العصيبة.
ولا شك أننا سننظر لاحقا إلى عام 2020 باعتباره عاما من المعاناة لكثيرين. لكن دعونا نتذكره أيضا بوصفه الوقت الذي أخذت فيه منطقتنا العهد على نفسها مجددا ببناء مستقبل أقوى وأكثر خضرة وشمولا للجميع.

*بقلم: جهاد أزعور وجويس وونج