حظيت بابن عم طموح. يفكر ويعمل بجد ومثابرة.
في كل مرة ألتقيه، يحدثني عن فكرة جديدة أو مشروع جديد يخوضه.
عندما تغيب عنه ثلاثة أشهر، تشعر كأنها ثلاثة عقود.
الخطوات التي يقوم بها سريعة وعديدة ومتقدمة.
نسكن في مدينتين مختلفتين، ولا نلتقي سوى في الأعياد والمناسبات الاجتماعية.
ولكن كلما التأم شملنا، أحرص على أن أستزيد من ابتسامته وطموحه ونهمه وجوعه وتفاؤله.
الأجمل من كل ما سبق، هي دماثة أخلاقه، وبياض قلبه، ونصاعة روحه.
لم أسمعه يجرح أحدا أو يقدح في أحد. منهمك طوال وقته في عمله وأسرته.
فقدت ابن العم وليد، رحمه الله، قبل عدة أسابيع على حين غرة، إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد كوفيد - 19.
رحيله المفاجئ سبب لنا جميعا صدمة، كونه جاء بلا مقدمات.
فقد كان شابا في عقده الرابع. لا يشكو من أي أمراض. مفعم بالحيوية والنشاط. مشغول بالمستقبل.
اللافت أننا لم نلتفت إليه كما ينبغي أثناء وجوده بيننا. ظننا أنه سيعمر طويلا. أجلنا عبارات الثناء والإطراء حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى.
سيل جارف من القصص والأحاديث والإشادات أخذنا نتبادلها عنه مع بعضنا بعضا، ومع ذويه ومحبيه بعد مغادرته.
مواقف نبيلة لم نسمع عنها. خصال حميدة ظلت طي الكتمان. مبادرات سخية لم يفشها أحد.
مع الأسف أدمنا ادخار الثناء والمحبة. أصبحنا قساة مع حتى أقرب الأقربين إلينا.
نعتقد أنه لم يأت الوقت المناسب لنقول الكلمة الطيبة تجاه من نحب ونقدر ونثمن. وأنه ما زال في الوقت بقية.
رغم كل الدروس التي تلقننا إياها الحياة، إلا أننا لا نتعلم، ونصر على اكتناز عبارات الإطراء إلى وقت لاحق لا يأتي أبدا.
عندما يتوفى أحدنا، تنهال القصائد وتنساب السطور وتدون الكلمات المعبرة في حقه.
ألا يستحق القليل من هذا الحب قبل الوداع الأخير.
ثمة ثناء مؤلم. إنه الثناء المتأخر.
علينا أن نتوقف أجمعون عن هذه العادة السيئة. البخل تجاه من نحب. اغمروهم بمحبتكم قبل أن يملؤكم برحيلهم.