كنت أستمع إلى أغنية عبدالله الرويشد التي لحنها خالد الشيخ وكتبتها فتحية العجلان، أول مرة أستمع إليها، وأثارت كل الشجن العذب في قلبي، "مر مرة لو مرة بالغلط مرة وأنا أجيلك اشلون لي شفتك ما أناديلك وأنت ضحكاتي اللي بعيوني وما أناديلك".

ومر بخاطري السؤال: لماذا تفجر الأغنيات بداخلنا هذا الإحساس اللذيذ الذي لا نعرف كيف نصفه، لكنه يحفر عميقاً في القلب، يجعلنا نهدأ وندخل إلى الداخل، نفتش فيه عما تعنيه الكلمات لنا، تنهمر الذكريات، نغمض أعيننا، يسرح الفكر وننسى الألم، لا يبقى سوى صوت المغني يتسلل أعمق فأعمق. بهدوء نبتسم أو نبكي. ونستسلم تماماً للأغنية.

تقول الروائية الإنجليزية جورج إليوت: تبدو الحياة خالية من التعب حين أكون ممتلئة بالموسيقى.. هذا ما يحدث، لا تحمل كل الأغنيات التي نحب حكايتنا، لكنها بشكل ما تعني شيئاً لنا؛ لحظة فرح نستعيدها، أو لحظة حزن نتذكرها، أو حباً عظيماً لم نعشه ونتخيل أننا نعاني منه، أو عذاب فراق نسيناه وأحيته الأغنية. بشكل ما تصبح العذابات أرق وأجمل. العين تغدو أكثر صفاء ولمعاناً، لمعة دمعة تغسل العين والروح ونصبح أكثر قرباً، تفهماً، شفافية وإدراكاً. نصبح أكثر قدرة على احتمال الحياة، كما تقول إليوت.

أحب الموسيقى، وبدونها لا أغاني، لكنني أعشق الأغنيات، أعشق هذه التوليفة الغريبة التي صنعها الإنسان، أن يصنع لحناً رائعاً لكلمات ساحرة يؤديها صوت بارع يأخذنا إلى عالم آخر، عالم بديع، فيه كل ما تريد، الحرية، الجمال، الحب، الشجن، الحيرة، الحياة. تختصر الأغنيات الحياة بطريقة تجعلك تحبها برغم آلامها. تتصالح معها وأنت متعب وحيران.

تبدأ الأغنيات من الصغر، نستمع إلى الجديد منها حسب أعمارنا، ونستمع إلى القديم الذي كان جديداً في عمر آبائنا وأجدادنا. نختار ما يلائمنا، ما يشبه أذواقنا، وننبذ ما لا يناسبنا؛ لحناً صاخباً، صوتاً لا ترتاح له آذاننا، أو أمراً آخر. لكل منا ذوقه الخاص، أرى في مغنٍ صوتاً ضعيفاً لا أستسيغه، بينما يراه آخرون قمة في الرومانسية والرهافة. يمكنني في لحظة عناد أن أقول رأيي، ويمكنني أن أستشهد بآراء الموسيقيين الذين يفهمون في الموسيقى، لكنني أعرف أن ليس هذا هو الأمر. وأن القلب يختار من يحب أن يسمع من المغنين، بغض النظر عن مستواه أو رأي النقاد فيه. تماماً كما يقع في حب الحبيب حتى لو كانت كل الظروف والناس ضده.

استمعوا إلى الأغنيات، ذوبوا فيها، حلقوا معها، دعوها تحملكم وتحمل معكم أعباء الحياة.