تترك المهاجرة السينيغالية ابنها محمد الملقب بـ "مومو" في مدينة باري الإيطالية وتختفي، فيتولّى ميتم رعايته، يصبح مراهقاً عنيداً، وعنيفاً، فيتولى طبيب الحي الاهتمام به، لإنقاذه من الشارع، فيبحث عن شخص يتبناه، فلا يجد أمامه سوى مدام روزا العجوز وهي واحدة من مرضاه، يعرض عليها الاهتمام بالصبي مقابل مبلغ شهري، بعد أن أصرّت على الرّفض، فتوافق على مضض.

تبدأ العلاقة بين العجوز والصبي المتمرد بشكل مستحيل تماماً، لكن عاطفة جميلة تنمو على غير توقع بينهما مع الوقت، والأمر لا ينتهي هنا، فالصبي يفكّر بشكل طفولي لإيجاد عريس لصديقته الجديدة، فيعرض فكرته على صاحب محلّ تصليح السجاد الذي يعمل عنده، وهو من معارف مدام روزا، وهنا يكتشف صعوبة تحقق الأمر، فصاحب المحل مسيحي، والعجوز يهودية.

مومو المسلم بالوراثة لا يعرف شيئاً عن دينه، لكنّ صديقيه، مدام روزا وصاحب المحل سيشرحان له بعض الأمور الجميلة عن دينه وفق معلوماتهما الشحيحة عن الإسلام، تنشأ صداقة جميلة بين الثلاثة، ويتعلّق الصبي بالعجوز إلى آخر لحظة في حياتها، حتى أنه يقطع لها وعداً بالاهتمام بها، فيقوم باختطافها من المستشفى ويهتم بها في قبو البناية التي تسكن فيها إلى أن تلفظ آخر أنفساها، ينتهي الفيلم بمشهد جد مؤثر، وبمولد مومو جديد، وقد نضج وعيه، وتجاوز مرحلة اللااستقرار في حياته.

قامت بدور العجوز الممثلة الكبيرة صوفيا لورين، بعد غياب دام 11 عاماً، لم تخف تجاعيدها، وسنواتها الخمس والثمانين، لا بعمليات التجميل ولا بالحيل التجميلية، لقد جعلتنا نصدق أنها عجوز إيطالية مقيتة إلى أن جاء هذا السينيغالي الحانق من كل شيء، فولّد لقاؤهما هذه القصة الإنسانية الجميلة جداً، والتي كتبها ذات يوم الكاتب رومان غاري باسم مستعار هو "إميل أجار" وعنونها بـ "الحياة أمامك" وخدع بها لجنة جائزة غونكور ففاز بها للمرة الثانية، وقد ظلّ هذا السر عند ابن أخته بابلو بابلوفيتش الذي استلم الجائزة، إلى أن باح به بعد انتحاره العام 1980.

صدرت رواية "الحياة أمامك" سنة 1975، أنتجت كفيلم أول مرة سنة 1977، وفي العامين 2008 قُدّمت على شكل مسرحية، دام عرضها لمدة سنتين، في 2010 قُدّمت كمسلسل تلفزيوني، وفي 2020 قام المخرج إدواردو بونتي ابن صوفيا لورين بتحديث رواية غاري، مجرياً بعض التغييرات المهمة، وقد اشترك في كتابة السيناريو مع أوغو تشيتي، وظلّ محافظاً على نفس الرّاوي مومو، كما أنّه خفّف من جرأة الرواية، ومن تراجيديتها التي تميز بها غاري، واجتهد لتقديم نهاية عاطفية مؤثرة بدل النهاية المأساوية التي اعتمدها الكاتب في نصه.

لكن أكثر ما يمزّق قلوبنا دون منازع هي الفاتنة صوفيا لورين التي ظلّ جمالها محفوراً في ذاكرتنا، وقد سرقت الشيخوخة أغلبه، وإبهار الصبي السينيغالي إبراهيما غايي لنا بأدائه.