خلال اليوم الثاني من فعاليات قمة العشرين، التي انعقدت افتراضياً بقيادة المملكة العربية السعودية، كان خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، يدعو دول العالم إلى الانضمام للمساعي التي تبذلها بلاده في سبيل ضمان كفاءة الطاقة، وذلك بهدف تقليص الانبعاثات الضارة لثاني أكسيد الكربون في الهواء.

وفي اليوم عينه، وفي البيان الختامي لأعمال القمة، شدَّد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على سعي دول المجموعة إلى الحد من انبعاثات الكربون بما يحمي كوكب الأرض، ولافتاً إلى أن بلاده سوف تستمر في تقييم الأوضاع لمراجعتها وتعديل وتطوير خططها، حسب ما تقتضيه الحاجة.

هل أطلقت المملكة العربية السعودية، ومن خلال أعمال قمة العشرين الأخيرة، الصوت عالياً للتنبيه للخطر الإيكولوجي، الذي أضحى أخطر من الحروب النووية التي أرعبت العالم بهواجسها طوال عقود الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن الماضي؟

الشاهد أن ذلك كذلك، لا سيما بعد أن قلبت الأحوال المناخية ترس المجن، كما يقال للبشر، وتوالت التقارير الدولية عن المخاوف المحدقة بالإنسانية من جراء تصاعد الأخطار، في مقدمتها ظاهرة الاحتباس الحراري.

حين أشارت بعض من تلك التقارير التي صدرت في الغرب والشرق على حد سواء إلى أن العالم على شفا يوم القيامة الإيكولوجي، لم يكن أحد يهول من المشهد، ذلك أن الانبعاثات الغازية التي تؤدي إلى رفع درجة حرارة الكرة الأرضية، قد زادت في العقدين الأخيرين، وبشكل غير مسبوق، لا سيما بعد أن حدث تركيز لم يشهده الكوكب الأزرق منذ 800 ألف سنة على الأقل لغازات ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروجن، في الغلاف الجوي.

يعني التغير المناخي الرهيب على هذا المنوال مخاوف وخسائر جمة تنعكس على النمو الاقتصادي والسكاني، ويمكن أن تصل إلى حد تهديد الحياة دفعة واحدة، الأمر الذي تخيلته بعض العقول في أفلام الخيال العلمي من قبل.

ولعل المراقب لتدهورات حالة المناخ على الكرة الأرضية يستطيع مراقبة موجات التسونامي، وحالات الجفاف والتصحر، ناهيك عن ذوبان الأقطاب الجليدية، وجميعها تضع عقبات كأداء في طريق مستقبل الإنسانية.

طوال عقدين صرخ العلماء طويلاً مطالبين باستنقاذ بيت البشرية، أمنا الأرض، غير أن التكالب على مراكمة الثروات هو ما جعل دول العالم، لا سيما الكبرى منها، تتنكر للخطوات الواجب اتباعها لتقليل حرارة الأرض، وذلك من خلال إصرارها على استخدام الكربون مرة جديدة، ورفض الالتزام بمعدلات صناعية لعوادم تلوث الهواء، وبينهما تسوء الأحوال يوماً تلو الآخر.

صوت الحكمة ارتفع خلال اليوم الثاني لقمة العشرين، وذلك عبر كلمة الملك سلمان الذي أشار إلى ضرورة تهيئة الظروف الملائمة لإيجاد اقتصاد قوي وشامل ومتوازن ومستدام، من خلال تمكين الإنسان والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة لاغتنام فرص القرن الحادي والعشرين.

دعوة المملكة جادة في ظل الخطر المتصاعد، الأمر الذي يقتضي أفكاراً إبداعية لمواجهة الانبعاثات الغازية، تسعى في طريق بلورة منهجيات مستدامة وواقعية ومجدية التكلفة لتحقيق الأهداف المناخية الطموحة.

خبرة المملكة في التعاطي مع إشكالية التغيرات الإيكولوجية لا تعود إلى الأمس أو ما قبل الأمس، بل ترجع إلى عام 2012، وذلك حين أطلقت المملكة البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة، ضمن إطار جهودها لتقليل الانبعاثات ضمن مبدأ الاقتصاد الدائري للكربون... ماذا عن ذلك المبدأ، الذي كان بمثابة رؤية استشرافية تقدمية من قبل المملكة وعقولها التي تفكر بعزم وتعمل بحزم؟

الاقتصاد الدائري للكربون هو عملية إدارة انبعاثات الغازات الضارة بغلاف كوكب الأرض على نحو شامل ومتكامل، بهدف تخفيف حدة آثار التحديات المناخية، وجعل أنظمة الطاقة أنظف وأكثر استدامة، وفي الوقت عينه تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة والوصول إليها.

قدمت المملكة النموذج الجيد في هذا الإطار، من خلال إعلانها عن إطلاق البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون لترسيخ وتسريع الجهود الحالية لتحقيق الاستدامة بأسلوب شامل.

ولأنَّ المملكة تسعى في طريق المثل الذي يجذب، لذا نراها تقوم الآن بدعوة الدول الأخرى للعمل معها لتحقيق أهداف هذا البرنامج المتمثلة في التصدي للتغير المناخي مع الاستمرار في تنمية الاقتصاد وزيادة رفاه الإنسان.

من بين البرامج والمبادرات السعودية موضع التنفيذ في هذا السياق، تجيء الرؤى العملية الخاصة بالتقاط الكربون، وتحويله إلى مواد خام ذات قيمة بما يشمل أضخم منشأة في العالم لتنقية ثاني أكسيد الكربون، أقامتها الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك».

حين يتحدث رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، عن مشروع نيوم بوصفه أكثر مشروع مستقبلي صديق للبيئة، فإنَّ الرجل لم يتجاوز ضفاف الحقيقة، خصوصاً أن العمل جار هناك بالفعل على تطوير أضخم منشأة للهيدروجين الأخضر في منطقة نيوم.

لم يعد الحديث عن مستقبل المملكة يتوقف عند حدود «رؤية 2030»، إذ اكتشف العالم أن المملكة لديها طموحات لـ2040، منها الحفاظ على مليار هكتار من الأراضي المتدهورة واستصلاحها وإدارتها بنحو مستدام.

وعطفاً على ما تقدم، فإنَّ في جعبة القائمين على المستقبل في المملكة والقابضين عليه بعزيمة لا تهن خططاً كبيرة للحصول على الطاقة من مصادر متجددة، في مقدمها الرياح والطاقة الشمسية، اللتان ستمثلان ما نسبته 50 في المائة من الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء على الأراضي السعودية بحلول عام 2030.

الخلاصة... الرؤية السعودية الإيكولوجية.. درب آمن لنجأة البشرية.