أطلقت الحكومة الفرنسية اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، على مسرح البلاط الإمبراطوري ب «فونتين بلو».
بين مئات القصور التاريخية في فرنسا اختارت دولة الإمارات العربية المتحدة ترميم مسرح قصر «فونتين بلو» الذي ظل مغلقاً لأكثر من 100 عام، فلماذا اختير هذا القصر دون غيره من القصور الملكية؟
قبل زيارة قصر «فونتين بلو»، أي قصر النافورة الزرقاء، سألت أحد الأصدقاء الفرنسيين المهتمين بالشأن الثقافي عمّا يمثله القصر في الذاكرة الثقافية للفرنسيين فأجابني:
«من الصعب شرح ذلك، لكن من الأرجح أنك عندما تزور القصر ستدرك لماذا هو مختلف، ومتى ما قرأت عن تاريخه ستعرف عندها أن قصر «فونتين بلو» ليس كغيره وربما يكون القصر فريداً من نوعه ليس لتاريخه فقط؛ بل للتحف الفنية التي يضمها وهي برأيي لا تقدر بثمن».
التسمية الشائعة لقصر «فونتين بلو» هي «دار الملوك» كونه لم يرتبط بملك معين؛ بل أن 34 ملكاً فرنسياً توارثوا القصر خلال 800 سنة، وكان ملوك فرنسا يجلبون أفضل الفنانين والنحاتين والمعماريين في عصرهم، فكل منهم يريد أن يترك بصمته الملكية التي ترمز إليه عندما كان يعتلي عرش فرنسا.
في القصر اختلطت الحياة الأسرية وحياة البلاط وممارسة السلطة، ورويت الكثير من حكايات القصر، بين غرفه التي يبلغ عددها 1500 غرفة.
في عصر النهضة أصبح قصر فونتين بلو، أبرز رموزها وسمي القصر ب«مهد النهضة الفرنسية»، أعيد بناء القصر القديم وتحول إلى قصر إيطالي كبير خلال عهد الملك فرانسوا الأول، وعلى مدى قرنين استمرت الإضافات في الأعمال الفنية، والزخارف والديكورات والتماثيل على يد فنانين خلدت أسماؤهم بين ردهات هذا القصر الفسيح وبأذواق ملكية مختلفة.
في القصر هناك متحف مختص بالإمبراطورية الفرنسية الأولى أي عهد نابليون الأول، بداية من قاعة العرش التي تمت المحافظة عليها بكافة تفاصيلها كما كانت قبل 200 عام، إضافة إلى 10 أجنحة بين غرف وصالات لتلبي كافة احتياجات ومناسبات البلاط الإمبراطوري، و تضم هذه الأجنحة أكثر من 500 عمل فني وقطع أثاث ومصنوعات يدوية ومنحوتات وأسلحة وأزياء وسيراميك تتحدث عن حقبة نابليون منذ تتويجه على العرش في سنة 1804 إلى اللحظة التي أجبر فيها على التنازل عن كافة صلاحياته بعد هزيمته في معركة واترلو سنة 1814، لكنه احتفظ بلقبه كإمبراطور فرنسا، وعندها ألقى نابليون خطبة تاريخية مؤثرة أمام حرسه القديم في ساحة القصر التي عرفت فيما بعد بساحة الشرف.
أما بالنسبة لمسرح «فونتين بلو» فهو مدرج في لائحة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، وتم تصميمه من قبل المهندس هيكتور لوفويل، على طراز الملك لويس السادس عشر، وهو مستوحى من مسرح الأوبرا في قصر فرساي ومسرح «ماري أنطوانيت» ويضم قرابة 400 مقعد تتوزع في رواق وشرفتين، إضافة إلى المقاعد المخصصة للعائلة الملكية وضيوفها.
يبعد القصر قرابة 50كم عن وسط باريس وتقع المباني المختلفة التي تشكل القصر على مساحة 130 هكتاراً، وتنتشر على أربع ساحات فناء رئيسية وثلاث حدائق ومتنزه لتشكل مجموعة متنوعة من الألوان والمباني لعصور مختلفة، وبالإمكان مشاهدة كنوز القصر واكتشاف أسراره من خلال زيارة افتراضية لصفحة القصر www.chateaudefontainebleau.fr.
بعد أن أبرمت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي الاتفاق مع وزارة الثقافة الفرنسية بدأت أعمال الترميم في سنة 2012 واستمرت لسبع سنوات، وأطلقت الحكومة الفرنسية اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، على مسرح البلاط الإمبراطوري ب «فونتين بلو» تقديراً وعرفاناً بمساهمة الإمارات في إحياء وترميم هذا الصرح التاريخي العريق.
في كلمته خلال مراسم الافتتاح الرسمي لمسرح «فونتين بلو» العام الماضي، قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي: «إن رعاية الإرث الإنساني والحفاظ على أصالته وإعادة تقديمه للأجيال القادمة هو واجب حضاري، فلا حضارة دون فن ولا رفاه دون ثقافة».
لمن يختار زيارة قصر «فونتين بلو» ليجعل المسرح الإمبراطوري آخر محطة في زيارته لأنه مسك الختام، فبعد الخروج من المسرح ستكون عيون الزائر قد ارتوت من فنون الجمال والفخامة الملكية وهي في أبهى صورها، وعند باب المسرح وأنت تودع دار الملوك سترى اللوحة الذهبية التي تحمل الاسم الجديد، وعندما تقرأ بتأنٍ «مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة»، ستبتسم ويغمرك شعور بالفخر.
* سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في فرنسا
التعليقات