المواطنون الكويتيون أصبحوا ناضجين سياسياً بما فيه الكفاية وواعين لما يدور حولهم على الصعيد السياسي خلال الأسبوعين الماضيين تابع المواطنون الخليجيون في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، انتخابات «مجلس الأمة» الكويتي عن كثب وبشغف شديد، وهي انتخابات تحدث في دولة الكويت الشقيقة كل أربع سنوات في الأحوال العادية.
وقد شهدت انتخابات هذا العام، والتي أطلق عليها الأشقاء في الكويت مسمى انتخابات 2020 صراعاً شديداً بين مختلف التيارات السياسية في الكويت، وفوز مرزوق علي ثنيان الغانم رئيس المجلس لدورتين ماضيتين متتاليتين، برئاسة المجلس لهذا العام أيضاً للمرة الثالثة على التوالي.
لقد كان صراع انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2020 حاداً جداً خرج فيه العديد من المنتمين إلى التيار الإسلامي عن النص وتبودلت فيه الاتهامات بدرجة عالية لم تشهد لها الحياة السياسية في الكويت من قبل مثيلاً إلى درجة توصف بأنها كانت معركة تكسير العظام وكان العديد من الذين خرجوا عن النص بشكل لافت هم أولئك المنتمون إلى جماعة «الإخوان» الكويتية.
ويشير عدد من التقارير الصحفية والتعليقات إلى أن محاولات خارجية قد رصدت من قبل دولة خليجية للتدخل في سير الانتخابات لصالح المرشحين من جماعة «الإخوان» سواء على مستوى الانتخابات لعضوية مجلس الأمة أو على مستوى رئاسة المجلس، لكن جميع محاولات التدخل تلك باءت بالفشل، فالحياة السياسية العامة في الكويت والشارع السياسي الكويتي لا يتقبل مثل تلك التدخلات، والكويتيون قد يتصارعون فيما بينهم سياسياً بحدة، لكن عندما يشعرون أو يشتمون رائحة أي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية سرعان ما يلتئمون إلى بعضهم بعضاً بقوة ويرفضون مثل هذه التدخلات بقوة شديدة يندهش لها العالم الخارجي.
ويعود السبب في ذلك الاندهاش إلى أن الغرض من التدخلات الخارجية هو التفريق، لكن النتيجة التي تحدث في الكويت هي التلاحم والتوحد السريع بين المواطنين الكويتيين لصد مثل التدخلات.
وفي تقديري كمواطن خليجي عاش في الكويت لردح طويل من الزمن وخبر أهلها وله صداقات جمّة مع العديدين منهم أن المواطنين الكويتيين أصبحوا ناضجين سياسياً بما فيه الكفاية وواعين لما يدور حولهم على الصعيد السياسي، فالتجربة السياسية الكويتية في المشاركة ليست وليدة اليوم، إنما تعود إلى بداية ستينيات القرن العشرين عندما تم انتخاب المجلس التأسيسي الذي وضع دستور الكويت المعمول به إلى يومنا هذا، ثم بعد ذلك تم انتخاب أعضاء أول مجلس أمة في تاريخ الكويت.
إن هذا العمق السياسي التاريخي شكّل لدى أبناء الشعب الكويتي نضجاً كافياً من الوعي السياسي الذي يحسم حبهم لوطنهم كدولة مستقلة ذات سيادة لا يجب أن يتاح لأي جهة خارجية التدخل في شؤونها الداخلية.
انتخابات 2020 في الكويت شهدت برامج انتخابية للعديد من المرشحين، وقد تابعت من خلال أجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عدداً من أولئك المرشحين وتمعنت في برامجهم الانتخابية، لكن الذي لفت نظري بشكل كبير هو ما كان يطرحه من نقاط ومواضيع المرشح وقتها مرزوق الغانم، الذي انتخب فيما بعد رئيساً للمجلس.
وقد تابعت باهتمام آخر ندواته الانتخابية التي بدا فيها وأظهر حقاً بأنه سياسي محنَّك، ذكي حاضر البديهة والذهن، منظم، واثق من نفسه وصادق معها في الطرح والقول والوعي والعاطفة.
وحقيقةً إن أهم النقاط المهمة والخطيرة التي طرحها في الندوة تلك هي قضية «البدون» في الكويت، وهي قضية تتعلق بمجموعة من البشر الذين تمنح لهم الجنسية الكويتية حتى الآن رغم أنهم يدعون بأنهم كويتيون وليس لديهم هويات أو يحملون جنسيات دول أخرى. قد قام مرزوق الغانم بتفنيد تلك الادعاءات بشكل يحمل الكثير من المنطق السليم، وأوضح بجلاء أن طرح الآلاف منهم ليس بصادق أو سليم رغم أن البعض الآخر يستحق أن يتم تجنيسه.
خاتمة القول، أننا شهدنا عرساً انتخابياً كويتياً جمع معه الكثير من التناقضات التي يطول شرحها، وحفظ الله الكويت من كل سوء.