اعتُقلت -مطلع الأسبوع الجاري- ليلى غوفين النائبة السابقة عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ورئيسة «مؤتمر المجتمع الديمقراطي» الكردي في تركيا.

وقد حكمت المحكمة عليها بالسجن 22 عاماً و 3 أشهر بموجب 19 تهمة. ومع منتصف الليل كانت الشرطة تقتادها من منزل زميلتها سمرا غوزيل النائبة الكردية عن حزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر وتقتادها إلى المستشفى للمعاينة الطبية قبل أن ترمي بها في سجن ديار بكر.

وقد تحدثت غوفين أثناء اعتقالها قائلة:«لست هاربة ولن أذهب إلى أي مكان، وسأواصل العمل في السياسة في هذا البلد سواء من داخل السجن أو من خارجه» مؤكدة على موقفها الثابت في معاداة الفاشية.

اعتقلت غوفين لاتهامها بالعضوية في تنظيم إرهابي مسلح (أي حزب العمال الكردستاني) والدعاية له ولمعارضتها عملية الجيش التركي في عفرين قبل سنتين. وفي الرابع من يونيو(حزيران) الماضي أسقط البرلمان التركي عضوية غوفين فيه.

لا يبدو أن الحملة على الوجود الكردي في تركيا ستتوقف في المستقبل المنظور. فهذه الحملة بدأت بعد ظهور نتائج انتخابات السابع من يونيو(حزيران) 2015 والتي أدخلت إلى البرلمان للمرة الأولى الأكراد المنتمين لخط عبدالله اوجلان كحزب مستقل تحت اسم «حزب الشعوب الديمقراطي» ونال 13.2 في المئة وثمانين نائباً. وكان ذلك سبباً في أن يخسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات ويفقد للمرة الأولى منذ العام 2002 الغالبية المطلقة.

ومنذ ذلك التاريخ انفتحت أبواب جهنم أمام الحزب الكردي وتعرض لمضايقات كثيرة. وكان أن أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتخابات بعد خمسة أشهر ليربحها، لكنه لم ينجح في منع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من تخطي عتبة العشرة في المئة الضرورية حينها لدخول البرلمان؛ إذ نال الحزب 10.8 في المئة و59 نائبا. وكرر الحزب نجاحه في الانتخابات المبكرة عام 2018 حيث نال 11.7 و67 نائباً. كذلك استطاع الحزب أن يسيطر على معظم البلديات الكبرى في المناطق الكردية في الانتخابات البلدية عام 2019.

لكن الخطر الكردي الداهم على موقع حزب العدالة والتنمية دفع الأخير لينسج تحالفاً باسم «تحالف الجمهور» مع الحزب الأكثر عنصرية وشوفينية في التاريخ التركي الحديث وهو حزب الحركة القومية بزعامة دولت باهتشلي. وبفضل هذا التحالف تمكن الحزبان من ضمان الغالبية المطلقة في البرلمان ومن إنجاح أردوغان في الانتخابات الرئاسية المهمة عام 2018 بنسبة 52 في المئة.

ويمكن القول إن العداء للأكراد كان الدافع الأول لكي يمد حزب العدالة والتنمية يده إلى باهتشلي بعد العام 2015 عندما أفشل باهتشلي جهود المعارضة للإطاحة بسلطة رجب طيب إردوغان، وكان باستطاعتها ذلك لو لم يرفض باهتشلي أية صيغة من صيغ الحكومات التي تحظى بدعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي سواء من داخل الحكومة أو من خارجها.

وقد اتخذ أردوغان محاولة الانقلاب العسكرية عام 2016 ذريعة لتصفية خصمه فتح الله غولين. ورغم أن الحزب الكردي لم يشارك في الانقلاب ولم يدعمه، بل كان من أشد منتقديه، فإن أردوغان وجدها فرصة ذهبية لإعلان ما يشبه الأحكام العرفية وإصدار المراسيم ذات قوة القانون (KHK) والتي طالت الأكراد أكثر مما طالت جماعة غولين.

ومنذ ذلك الوقت لم يعد من معنى لانتخابات نيابية أو بلدية. فمن فاز من الأكراد من حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات نيابية توجه له تهمة دعم تنظيم «إردهابي» والدعاية له. فزُج بالعشرات من النواب في السجن بعد إسقاط العضوية النيابية عنهم ومن بينهم رئيسه السابق القابع حالياً منذ أربع سنوات في السجن صلاح الدين ديميرطاش.

أما في البلديات فقد عُدّل القانون من أجل جواز إقالة رئيس البلدية المنتخب وتعيين آخر مكانه من قبل وزير الداخلية يكون عادة إما المحافظ أو القائمقام بحسب كبر البلدية. وبهذا القانون الاحتيالي أُقيل معظم رؤساء البلديات الكردية المهمة بتهم دعم الإرهاب ليتولى المناصب بدلاً منهم موظفون تابعون لحزب العدالة والتنمية. فمن لم يسقط في الانتخابات تسقطه يد الحكومة، وكأن لا انتخابات نيابية جرت ولا انتخابات بلدية حصلت. وبعد ذلك يتحدثون عن الديمقراطية في تركيا. وهذا مجرد غيض من فيض الممارسات القمعية للسلطة الحاكمة ضد المعارضة وفي رأسها المعارضة الكردية منها، وليلى غوفين لن تكون الأخيرة.