رغبة الإنسان للوصول إلى الفضاء قديمة، والتسابق بين الأمم لتحقيق ذلك الإنجاز له أهداف مختلفة. لعلنا نتذكر أن قصص الإلهام بدأت عندما تفاجأت الولايات المتحدة الأميركية بإعلان الاتحاد السوفييتي إطلاق القمر الاصطناعي «سبوتنك 1» في عام 1957، كما نجح الروس بعدها في إرسال رجل إلى الفضاء الخارجي. وكنوع من التحدي للخصم في ذلك الوقت، قال الرئيس الأميركي جون كيندي في 1961: «لقد قررنا أن نذهب إلى القمر»، أي إذا نجح الروس في الوصول إلى الفضاء فنحن سنذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. إنه القمر، وتحقق حلم أميركا ووصل أول إنسان إلى القمر عام 1969، وأصبحت أميركا بعدها القوة العالمية التي لا تُقهر، وبالذات بعدما انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991. لماذا هذا التسابق؟ لست هنا بصدد الحديث عن الفوائد العلمية من رحلات الفضاء أو المنافع الاقتصادية أو التسابق العسكري، ما أريد التطرق له في هذه العجالة هو البعد النفسي والتعليمي.
عندما نعلم أن 90% من العاملين على مشروع مسبار الأمل تقل أعمارهم عن 35 سنة، ندرك حقيقة أهمية الاستثمار في البشر، الذي نجحت فيه دولة الإمارات التي تستعد للاحتفال بمرور 50 سنة على اتحادها. ففي منطقة التجاذبات الدولية، والتي تعرف بالشرق الأوسط أو العالم العربي، تعيش دول مزقتها الصراعات وشغلتها التحزبات عن الإنجازات، حتى بات حلم العربي الفرار من هذه المنطقة إلى دول تعرف للإنسان مكانته وتضع العلماء في منزلة النبلاء، في وسط هذا التاريخ المعاصر المظلم بزغ نجم الإمارات، هذه الدولة التي أذهلت العالم بأفكارها قبل إنجازاتها، دولة تريد أن تقول للعرب كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «لا شيء مستحيل أمام الإمارات والإماراتيين». والهدف كما قال سموه أن نعطي العرب «بارقة أمل وإننا قادرون على منافسة بقية الأمم والشعوب»، كل كلمة من هذه الرسالة الملهمة تحتاج إلى بحث مستقل. نحن أمة لا تقنط أو تستسلم، بل نحن ندرك أن الإنجاز مهما صغر هو الذي يكون الدافع الأساس للنجاح، ومشروع الأمل الذي عمل عليه أكثر من 200 مهندس إماراتي يعد نقطة تحول، ليس في مناهج التعليم الإماراتية فقط، بل هو نقطة عبور عربية لمستقبل أفضل بدأت الإمارات أولى خطواته، وستتبعها دول عربية في هذا المجال، من قول الشاعر العربي النابغة الجعدي
بَلَغْنَـا السَّمَـاءَ مَجْـدُنَا وَجُدُودُنَا وَإنَّـا لَنرْجُـو فَـوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
ندرك أن همة العربي ليس لها حدود، فهو لا يكتفي بما في السماء، بل يرنو لما هو أبعد من ذلك، هكذا كانوا، وها نحن في الإمارات نتبع نهجهم كي نجدد للعرب همتهم بعد سنوات من الإحباطات. ها هي الإمارات تزف بشرى عهد جديد تقول فيه للعرب: ليس في قاموسنا المستحيل. فمن شاء التنافس، فساحة المجد ليس لها حدود، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. ونقول لمن لم يقنعه هذا الإنجاز اجتهد وافعل ما هو خير لك من النقد.
*أكاديمي إماراتي