التأمل في التغيرات التي يشهدها العالم تصيب المرء بالذهول، ليس في سرعة التغيرات، بل أيضا في طبيعتها، وما تحدثه من هزات، إن لم تكن ثورات في واقع المجتمعات عموما، والأفراد خصوصا، التأمل في هذه التغيرات يوصلنا لتصنيفها إلى نوعين: تغيرات مادية تقنية في جميع مناحي الحياة من اقتصاد، ومواصلات، واتصالات، وتقنية دقيقة قلبت الموازين بشأن ما هو مقبول، وما هو مرفوض وفق القواعد، ونظم الحياة التي اعتادت المجتمعات عليها لقرون في طريقة الحياة، وتصميم المنازل، والأثاث، واللباس والمأكل، والتطبب، وأمور أخرى لا يمكن حصرها في مثل هذا المقال.
النوع الثاني من التغيرات ذو طابع فكري تشهده الساحات الإعلامية، والجامعات، والمنتديات، كمساهمة في إحداثه، أو إنتاجه، والعمل على تأصيله، والدفاع عنه، وهذا ما يتضح جليا في طريقة التفكير المتمثلة في رفض القناعات المتوارثة، والأخذ بالجديد مهما كان رداءة، وخطورة منهج التفكير الجديد، والسلبيات المترتبة عليه، أو التشبث بالقديم مهما كان والاستماتة في الدفاع عنه، حتى لو كان الثمن باهظا.
هذه التغيرات، والتحولات ليست حكرا على مجتمع دون آخر، خاصة المجتمعات التي كان لها نصيب من الثروة، ما مكنها من الأخذ بمعطيات الحياة الحديثة، بكل جوانبها، وبسبب الثراء هذا تمكنت المجتمعات من التواصل المباشر متخطية الحواجز، وأتيحت فرصة التأثير المتبادل للجميع ليفوز بنصيب الأسد من يمتلك ناصية التقنية، وتوظيف القوانين، والأسس النفسية للتأثير لتكون السيادة له على الساحة العالمية.
في الجانب التقني توقفت عند سيارة "تسلا" الحديثة في المنطقة العربية، وتحديدا في دبي، وبداية وصولها إلى المملكة، وتساءلت ما الدور الذي من الممكن أن يلعبه العالم العربي، وما الآثار المترتبة على اقتصاده، خاصة أن معظم دوله - إن لم يكن كلها - تمتلك ثروة النفط التي كان لها دور كبير في التنمية في كل المجالات؟ أي هل سيتأثر العالم العربي بهذا النوع من السيارات الكهربائية؟.
سرعة إنتاج هذه السيارات، وموديلاتها المتعددة، وقلة صيانتها مقارنة بالسيارات المعتمدة على النفط ربما تعجل بذلك، ولذا تحسبا لتلك الفترة هل من الممكن التفكير في استثمار مادة النفط في صناعة بعض مكونات هذا النوع من السيارات؟.
من معلوماتي البسيطة، فإن بعض منتجات سابك، وهي مواد خام مشتقة من النفط أصبحت الدول المستوردة لها تحولها إلى صناعات بصورتها النهائية القابلة للاستخدام مثل الجسم الخارجي للجوال، وأغلفة الحماية، وباقي الإكسسوارات، التي تملأ الأسواق، وبأثمان كبيرة، وقياسا على هذا الشيء هل من الممكن استغلال مادة النفط، وتحويلها لمنتجات تكون جزءا من سيارات "تسلا" في الجسم الخارجي، والألوان، والمراتب، والديكورات الداخلية، والخارجية؟ أعتقد جازما أن مختصي الكيمياء السعوديين، والعرب، حتى نظراءهم في دول أخرى يمكن استقطابهم لهذا المشروع ليكون لنا دور في تشكيل، وصناعة الحاضر، والمستقبل، ونحصل على جزء من "كيكة" هذا النوع من السيارات في السوق العالمية.
كما ذكرت سابقا التحولات الفكرية، والثقافية لها علاقة بالتحولات المادية، لأنها تصنع نمط حياة مختلفا عن ذي قبل، فالمتوقع مع السيارات ذاتية القيادة أنه سيتم الاستغناء عن السائقين، خاصة إذا أصبح هذا النوع من السيارات في متناول عامة الناس، وليس الخاصة، وهذا من شأنه أن يوفر أموالا طائلة طالما استنزفت كثيرا من أموال الوطن التي تحول شهريا من قبل العمالة بهذا العدد الكبير، وفرضت وجودها ظروف مرحلية.
من يصنع المعرفة في مجالاتها كافة، ويحولها لمنتجات تخدم البشرية يتمكن من إدارة المشهد العالمي، ويصنع سياساته، ويفرض ثقافته، أما من يرضى بدور الاستهلاك فيكون مكانه الهامش دونما تأثير قوي في الساحة العالمية، وواقع الحال يشهد بذلك.