مَن يقرأ ويتمعن في كتب وأدبيات شيوخ (جماعة الإخوان)؛ لا بد أن يلحظ ما يقولون عن أنفسهم صراحة؛ وما يقوله عنهم المنشقون منهم تحديدًا من أنهم: (جماعة تكفيريّة) بامتياز..! يكفّرون صراحة المخالفين لهم، ويكفّرون من لم يأتمر بأمرهم وينهج نهجهم. هذه خلاصة قرائية مما أتاحته لي (حبسة كورونا)، التي بلغت اليوم حولها الأول، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* إن كل من قرأ ولو بعض كتبهم سابقًا ولاحقًا؛ لا بد أن يصل إلى ما وصلت إليه من حيرة وتعجب واستغراب وتساؤل: هذا ما يقوله القوم عن أنفسهم وعن منهجهم وفكرهم منذ تأسيس الجماعة إلى اليوم: (نحن تكفيريُّون)، فإذا كان أعضاء الجماعة أنفسهم يخلصون لمنهجهم، ويتعصبون لفكرهم، ويصرون على المضي في غيّهم؛ فهذا قد يكون مفهومًا، لما عرف عنهم من خبث، ولمدى ارتباطهم بقوى إقليمية ودولية توجههم وتديرهم لأهداف بعيدة.. هذا قد يكون مقدرًا كما هو الفشل قدرهم المحتوم، لكن.. ألم يصل هذا الصوت الجلي، وتنجلي هذه الحقيقة حتى اليوم؛ أمام أنظار الأذناب والأتباع من الصحويين الظلاميين؛ الذين انخرطوا في خدمة المشروع الإخواني الخبيث منذ وصوله إلى ديارنا حتى اليوم..؟!

* لماذا أسأل هذا السؤال اليوم..؟

* أسأل.. لأن الذي جرى ويجري خلال العقدين الأخيرين فقط؛ عرّى القوم أكثر، وفضح مخططاتهم، وكشف نواياهم، وظهر للعيان أنهم كانوا يسعون- بكل وسائلهم المتاحة وغير المتاحة- لتقويض أمن وطننا، وتشتيت شمله، وتفتيت لحمته، وتقديمه لقمة سائغة لآكليه من الفرس والترك والدول الأجنبية المتصارعة في منطقتنا العربية، وخاصة في الجزيرة العربية والخليج العربي.

* أسأل مرة أخرى: والسؤال هنا حصرًا؛ عن رموز الصحوة الظلامية، الذين كانوا يعتلون المنابر، ويسوِّدون المحابر، ويعلمنون، ويلبررون، ويفسّقون، ويكفّرون، ويحرّضون؛ وينفّرون شبابنا لجهاد مزعوم هنا وهناك؛ مدعين أنهم سدنة الدين والدنيا.. لماذا الآن.. الآن.. لا نسمع لهم صوتًا، ولا نرى لهم فعلًا..؟! لماذا لا يظهرون اليوم؛ في شجاعة الشجعان، ونباهة اليقظان، ليكشفوا عن معدنهم وأصالتهم وحميتهم الوطنية، فيقولوا- إن صدقوا- بأنهم كانوا مضلّلين ومعصوبي الأعين؛ يوم أن تقدموا للخطابة والكتابة والترويج للمشروع الإخواني الانقلابي الخطير، الذي كان يستهدف الدين والدولة والمجتمع..؟ يا لها من مكاشفات ومراجعات وتوبة، وعودة للوعي الذي شوّشت عليه ضلالات ودعايات الإخوان المفسدين طيلة تسعة عقود. هذا لو تمّت.

* وما دمنا في حديث (الإخوان)؛ وفي حديث من تبعهم وخدمهم؛ من الداعمين والمساندين ممن انتسب لهم؛ أو تعاطف معهم، أو هو ما زال مفتونًا ومأخوذًا بما كانت ترفع من شعارات، ظاهرها الرحمة، وباطنها غير ما يتصوره الأنصار؛ أو من هم على هامش (معبدها السري).

* نبدأ إذن من ذلك المعبد الذي لم يعد سريًّا، والذي طاف القوم حوله، وقدموا له القرابين، وطوّفوا معهم حشودًا من الصحويين الظلاميين، وما زالوا كذلك حتى لو خفت صوتهم، وانزوت شخوصهم، فليس الدكتور (ثروت الخرباوي) هو وحده من خرج من عباءة جماعة الإخوان ثم انتقدها وكشف بعض أسرارها، لقد سبقه منذ زمن طويل الشيخ (محمد الغزالي) رحمه الله، الذي وصل إلى أن أصبح خامس خمسة في مجلس سر الجماعة، فاستنكر أهدافها، واستوحش خططها، ونفض يده منها وهو يقول: (لقد تكشف لي أن عمل جماعة المسلمين ما هو إلا: قم لأقعد مكانك)..! وغير هذين العضوين أعضاء كُثر؛ تبرؤوا منها، وانقلبوا عليها، وقالوا بأن جماعة الإخوان لها صلات بالماسونية العالمية، ولها مفاوضات واتفاقات وتدابير مع أميركا، بل لها تعهدات مكتوبة معها، وإلا ما تمكنت من الوصول للحكم في مصر قبل عشر سنوات.

* كثير من الذين خرجوا من عباءة جماعة الإخوان، كانوا يتحدثون عن أنها جماعة تكفيريّة، ثم يذكرون وقائع وشواهد من أقوال قياديين ومفتين للجماعة، ونحن نتذكر أن سيد قطب، وهو مؤسس الجناح القطبي فيها، تكفيري بامتياز، فكتابه (في ظلال القرآن)، ينضح بتكفير المسلمين كافة في هذا العصر، وليس الحكام فقط. على سبيل المثال لا الحصر: (سيد قطب)، و(شكري مصطفى - صاحب التكفير والهجرة بالجماعة)، من أوائل قياديي الجماعة ومنظريها؛ الذين كانوا ينادون بـ(هجرة المجتمع الكافر)، حتى أن (أحمد إبراهيم أبو غالي)؛ يرى أن فكر التكفير في جماعة الإخوان؛ مؤسس له من عهد مؤسسها (حسن البنا) في (رسالة التعاليم)، ففي التعليمة رقم 37 ورد نص: (أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك، وخاصة إذا أمرت بذلك). ثم يقول أبو غالي ذاته: (إن فكر التكفير؛ كان مختبئاً في ضمير البنا، لم تظهر منه إلا بعض فلتات).

* إذا كانت هذه بعض فلتاتهم؛ فما حجم تلك الفلتات التي لم تفلت منهم..؟ نعود للكلام في الحلقة الثانية من هذا المقال إن شاء الله.