تعيش مناطق شمال المملكة فترة تسيطر فيها الثلوج المتزايدة التي قل أن تتكرر. هذه الحالة بدأت في جبال الحجاز جنوبا، ثم أدت الموجة الباردة المقبلة من أوروبا إلى مزيد من حالات تساقط الثلوج شمال المملكة، ما قد يعطي تبريرا لما يحدث على شواطئ البحر الأحمر، حيث يرتفع الموج ويتجاوز التوقعات، لتغلق الجهات الأمنية الشوارع المطلة على البحر في كورنيش جدة بالذات.
الوضع المختلف يذكرني بمخاوف الاحتباس الحراري، الذي كان متوقعا بحلول شتاء مختلف في أوروبا، حيث انتشرت الرمال على مرتفعات جبال الألب السويسرية، أمر لم تعرفه في تاريخها المعروف. يستمر البحث عن مصادر تلك الجبهات الغبارية، التي حولت الجبال الجليدية هناك إلى اللون الأصفر، وهو ما تعودنا نحن عليه في البراري والصحاري التي تسيطر على الخريطة عندنا.
هذا التناقض الغريب يجعل الباحث يتساءل عن درجات التصحر وتغير الأجواء بين مناطق العالم، وما إذا كانت النظريات السابقة التي مؤداها أن الاحتباس الحراري هو حالة عامة تشمل كل المواقع في الكرة الأرضية دقيقة، ليعود السؤال المهم عن القدرة البشرية على توقع المستقبل، فمهما تطورت وسائل الرصد، يظهر لنا كل يوم اختلاف صادم بين توقعات العلماء وما يحدث على أرض الواقع، لدرجة أننا أصبحنا في فترات معينة نخالف توقعات الأرصاد الجوية التي تتوقع أمرا ونصحو في اليوم الثاني على عكسه.
يمكن تعميم المفهوم على مجموعة من العلوم الأخرى، التي تضع توقعات لحياة البشر وما يسيطر عليها في مقبل الأيام، وهو ما أوجد تعدد النظريات وإيجاد التأزيم الفكري بين مختلف فئات المجتمع، فبعد أن كانت كلمة العلماء غير قابلة للنقاش، نجد أنفسنا أمام مجموعات من المنظرين وخبراء التنجيم الذين يعرفون كيف يتوقعون الأحداث بالبناء على الماضي.
يتأكد لنا من مشاهدات العلوم المختلفة أن ما كان يظن أنه علم منطقي يبني على الحقائق، أصبح يفقد شخصيته واحترامه وحصانته الفكرية، فلم تعد علوم الكيمياء والفيزياء ونظريات الأعداد مقدسة عند المتلقين بسبب ما دخل في معادلاتها من تحديث وتغيير فرضته علوم جديدة لم تكن لدى السابقين، أهم هذه العلوم هو علم النانو الذي مع تقدمه تفقد بقية العلوم حصانتها الفلسفية والمنطقية لكون أدق المخلوقات والمنتجات أكثرها قدرة على إحداث التغيير في عالم اليوم.