اهتزازات سياسية شتى اجتاحت الكويت تاريخياً، ولكن ظروف اليوم تختلف شكلاً وموضوعاً عما شهدناه في السابق، وهو ما يستوجب استيعاب تحديات اليوم ومتطلباته.
ثمة ملامح انسداد سياسي وهيمنة رؤى تقليدية على المشهد السياسي، حفّزت النفور من التطور الحتمي للنظام الديموقراطي، بسبب غياب العمل الممنهج الرسمي نحو ترسيخ قواعد العقد الدستوري.
إن الدعوة إلى مصالحة وطنية في الكويت ليست حالة استثنائية مستجدة تخص الكويت وحدها، وإنما هي ممارسة سياسية متعارف عليها في شتى بلدان الديموقراطيات العريقة المعمقة بالإرادة في تحقيق مصالحة وطنية مع كافة القوى السياسية والفكرية والمدنية والشعب ككل، والكويت ليست استثناء من كل ذلك.
لم يتبلور النظام الدستوري في الكويت نتيجة ترف في التفكير والتدبير ولا رفاهية الانتظار، بل شقت قواعد النظام السياسي طريقها بعد نضال تاريخي ساهمت فيه كل أطياف وفئات المجتمع الكويتي في مراحل دقيقة وحرجة للغاية.
وقد ضم جزء من هذا التاريخ صدامات دموية بين القوى المناهضة للديموقراطية وقوى مؤيدة لها من أهل الكويت، حتى برز فجر التفاهم والتوافق بديلاً عن الخلاف، والتلاقي والاتفاق بديلاً عن الصدام بين الحاكم والمحكوم، مما أدى إلى طي مرحلة من التحدي العظيم بعد إرساء قواعد النظام الدستوري.
إننا أمام مرحلة تستوجب الاستشعار بطبيعة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من قبل كل الأطراف المعنية، لا سيما الطرف الحكومي قبل الطرف النيابي، الداعي إلى العفو الشامل أو الخاص، فمن الضروري معالجة ما نشهد من تحديات بطرق سلمية بهدف القضاء على الاحتقان السياسي وحالة من اليُتم الاجتماعي الذي تئن منه أسر كويتية، نتيجة أحكام أودت بالبعض في غياهب السجن والمنفى القسري خارج الكويت.
ينبغي أن تكون الغاية الوطنية المشتركة في تحقيق توافق حقيقي وفهم عميق لما تواجهه الكويت وشعبها أيضاً من شروخ سياسية في جدار الوطن، إذ إننا بحاجة ملحة إلى تقريب وجهات النظر وردم هوة الخلاف والاختلاف بين أطراف الخصام السياسي، ومن دون ذلك ستمضي الكويت في دهاليز مظلمة، ويتحول بالتالي الملف المحلي المعقد سياسياً إلى شأن دولي على صعيد الحريات وسجناء الرأي السياسي.
لعل المرحلة الأولى من المصالحة الوطنية يمكن رسمها عبر نظرة أبوية حانية في صياغة القرار السياسي، بهدف بلورة حل سياسي لمجاميع من الشباب، سواء من سكن السجن اليوم محلياً أو من اختار السكن في أحضان منظمات دولية ومنفى قسري خارج الكويت.
فثمة صفحات من التاريخ السياسي، التي برهنت على الرؤى التوافقية نحو مستقبل متسامح، حيث لا يمكن للدول أن تستمر في النهوض سياسياً واقتصادياً ودولياً من دون إيجاد حلول جذرية تعيد الوئام إلى الدولة.
فلاشك أن وأد مصادر الكراهية والعداء المستقبلي بين أفراد المجتمع الواحد يلعب لمصلحة الكويت وطناً وشعباً، خصوصاً أن الاتفاق الجامع بين كل الأطراف السياسية يتلاقى عند تاريخ من التسامح، ولا بد لنا من التوصل إلى تحقيق مصالحة وطنية من أجل تدشين الدخول إلى بوابة الإصلاح السياسي الشامل.
لم تشهد الكويت في تاريخها الحديث نقطة دم واحدة ولا صداماً مسلحاً، بل إن جميع أطياف الشعب الكويتي يدركون الالتزام بالعقد الدستوري بين الشعب والأسرة الحاكمة، وهو ليس محل جدال أو نزاع من أي طرف كويتي.
التعليقات