في مقال بديع نُشر العام 2012 في مجلة Le point الفرنسية عن اعتزال الكتابة نقرأ حجم الصدمة التي سببها إعلان فليب روث بتصريحاته وما تلاه من اعترافات لم يتقبلها الوسط الثقافي. الكاتب الذي حصد جوائز عديدة منها جائزة المان بوكر الدولية العام 2011 لم يكن يعاني من أي صدمة أو أي نوع من النزوات المراهقاتية التي تصيب بعض الراغبين في الشهرة السريعة فيلجؤون لهذا النوع من التصريحات، لكن قراره الغريب جاء جرّاء مراجعة ذاتية لقراءاته، فقد أعاد قراءة الروايات التي أحبها في الثلاثين، تلك التي أثرت فعلاً في مساره الأدبي ثم أعاد قراءة رواياته، ليوضح "أردت أن أرى ما إذا كنت قد أضعت وقتي في الكتابة" مضيفاً: "انتهيت من الرواية، لا أريد أن أقرأ بعد الآن، ولا أن أكتب، ولا حتى أن أتحدث عن الأدب، أوقات الكتابة مستحيلة لي".

أغلق روث الباب في وجه الإعلام الفضولي منهياً تجربة نصف قرن من النجاحات، وأكثر من خمس وعشرين رواية نالت اعترافاً دولياً بأهميتها.

المقال الذي كتبه ماريون كوكيت يأخذنا في رحلة إلى عوالم كُتّاب فقدوا الدافع لمواصلة الكتابة تماماً مثل روث، يذكرنا بالكاتب الإنجليزي إي.أم فورستر الذي انسحب من عالم الأدب العام 1924 قبل ست وأربعين سنة من وفاته، لكن لأسباب أخرى لا علاقة لها بمفهوم الشجاعة والمواجهة التي شرحها روث أو الكاتب البلجيكي جورج سيمينون الذي أعلن العام 1972 انتهاءه من مشروعه الروائي في التاسعة والستين من عمره بعد إنجاز حوالي 213 رواية بوليسية من النوع المشوق والناجح، حتى أن المهنة المذكورة في جواز سفره "روائي" قام بطلب إلغائها واستبدالها بحالة "بدون مهنة"، وقد ورد في حوار له نشر العام 1999 في لوفيغارو الثقافي أنه اقتنى جهاز تسجيل استعمله لتسجيل مذكراته وأخباره لا غير. جورج سيمينون الطفل الثالث عشر في عائلته، الزوج الخائن الذي لقب بـ"رجل العشرة آلاف امرأة" صنع زورقاً واتخذه بيتاً له لمدة سنتين مكتشفاً كل الشواطئ الفرنسية وعالم البحر، قبل أن يصبح السفر في كامل أوروبا وأميركا جزءًا مهمًا من حياته. تخلّى عن الكتابة لأن ما قدّمه للقارئ كان أقلّ إبهاراً من حياته الثرية بالمغامرات والقصص ربما.

الفرنسي جوليان غراك اعتزل الكتابة العام 1970، وفي مقابلة نشرت في 2006 في المجلة الأدبية قال "جف نبع الرواية في منزلي" مضيفاً أنه فقد الرّغبة في القراءة والكتابة في الوقت نفسه وهو نفس كلام روث.

نذكر أيضاً أن الكاتب النمساوي بيتر هاندكه الذي نال جائزة نوبل العام 2019 عبّر عن رغبته في التوقف عن الكتابة باكراً مبرِّراً أنه قال كل ما لديه، لكنه لم يفعل.

عربياً يولد كتاب ويعتزلون الكتابة دون أن نشعر حتى بوجودهم.