من أهمّ منعكسات مفهوم الدولة هو استتباب الأمن وسيادة القانون التي تجعل من كل قدمٍ تسير على أرضها مرهونةً بسلطة المؤسسات لتلك الدولة، أما تجاوز ذلك المفهوم وضربه فيحوّل البلاد إلى مجرد إقطاعات لعصاباتٍ وميليشيات إرهابية تفرغها من مفهومها العميق.

ولعلّ هذه أهمّ معضلة تواجه العديد من الدول العربية اليوم، ولا سيما العراق ولبنان، فبعد حرب طويلة مع الإرهاب في العراق انتهت بهزيمة «داعش»، عاد الإرهاب إليه على هيئة ميليشيات وجماعات متطرفة مرتبطة بأجندات خارجية تقتل بدم بارد كل من يرفع صوته ضد محاولات ابتلاع الدولة العراقية، والأمثلة على ذلك كثيرة، فنيران أسلحتهم الصامتة لم تستثنِ ناشطاً إعلاميّاً مثل «هشام الهاشمي»، الذي اغتيل على باب منزله، لمجرد مساندته للحراك الشعبي العراقي ووقوفه ضد سياسات الميليشيات المرتبطة بالخارج، ولم تقف عند هذا الحد من الإجرام باستهداف الناشطين والإعلاميين بل إنّها طالت حتى المدنيين على مبدأ تصفية الحسابات الشخصية والطائفية والسياسية، وكان آخرها قبل أيام مقتل عائلة عراقية بأفرادها الستة في محافظة «صلاح الدين» على يد المتطرفين، والتي لم تكن هي الأولى فقد سبقتها جرائم أخرى من هذا القبيل.

الإرهاب لا دين له ولا مبدأ يسير عليه سوى مبدأ القتل والانتقام من كلّ معارضٍ لفكره أو تسلطه أو ما يمتّ إليه بِصلة شكلاً ومضموناً، بأيّ صورة كانت، سواء بالمعارضة القولية أو الفعلية أو حتى الضمنية لنهج التطرّف، بل حتّى في الدعوة إلى ترسيخ مفهوم الدولة، وعلى هذا المبدأ وقع في لبنان اغتيال الباحث والناشط المدافع عن حقوق الإنسان «لقمان سليمان» الذي عُرف بدعمه للحريات وإدانته للممارسات التي من شأنها تقييد الفكر، والذي كان ينتقد بصراحة وبشدّة ممارسات «حزب الله» في لبنان وتمظهره فوق مفهوم الدولة اللبنانية على الرغم من أنه ينتمي إلى الطائفة الشيعية الكريمة، ليُعثر عليه فيما بعد مقتولاً في جنوب لبنان، وأصابع الاتهام تشير إلى كواتم الصوت في أسلحة عناصر الحزب.

قصارى القول أنّ مفهوم الدولة وسياجها القانوني هو الحرم الذي من شأنه حفظ البلاد والعباد، وهي الكفيلة بالسيطرة على السلاح المنفلت بين الميليشيات والأفراد المرتبطين بأجنداتٍ خارجية لا همّ لها سوى القتل والتدمير، فلا قاهر للسلاح ولا لكاتم الصوت الدنيء في أسلحة الغدر إلا قبضة الدولة القوية.