كثيرا ما تفاجئنا السويد. لكن المفاجأة هذه المرة وفي زمن جائحة كورونا جعلتني أضرب الأخماس في الأسداس.
يحاول شعب هذا البلد الواقع في أقصى شمال أوروبا أن يكون مختلفا، وكثيرا ما تسمع حتى في النقاشات اليومية: هذه السويد أو هذا لا يجوز في السويد أو نحن لا نشبه الآخرين.
ليس هناك تبجح أو غلو في الموقف. وليست هناك مواقف مديح أو افتخار من قبيل: "نشكر الله نحن لسنا مثل الآخرين" أو "انظر ما أتى من قول حسن في مديح السويد".
من النادر أن تنقل الصحافة بشكل عام قولا جميلا أو مديحا وإن كان في محله حول السويد.
إلا أن الإعلام يشبع أي نقد أو هجوم على السويد في الصحافة العالمية نقاشا. وكان للتغطية السلبية للاستراتيجية السويدية في مواجهة وباء كورونا أثر في حمل الدولة على تغيير النهج وإعادة النظر بصورة جدية.
وفي بداية كل عام تنشر السويد إحصاءات دقيقة عن كل شيء تقريبا له علاقة بالحياة. وكي أوضح مدى دقة واتساع وتغطية هذه الإحصاءات، فإن بإمكان الباحث مثلا الحصول على معلومات حول الطيور وعددها ونوعها التي تحط أو تهاجر منطقة ما في السويد.
وقس على ذلك الأسماك والحيوانات البرية. وينطبق الأمر على الصناعة والزراعة والتجارة والتعليم والجيش والأمن والشرطة والمرور والاقتصاد وغيرها من مضامير الحياة المختلفة.
وكل هذه الإحصاءات الكبيرة بدقائقها وتفاصيلها متاحة للكل ومتوافرة على الشبكة العنكبوتية وتشكل مادة دسمة للبحث العلمي والأكاديمي.
وتأخذ الإحصاءات التي تنشرها مصلحة المرور العامة في السويد أهمية بالغة، تتلقفها الصحافة كل عام وتشبعها نقاشا.
وتعد السويد من أكثر دول العالم تقدما ورقيا بقدر تعلق الأمر بشبكة المواصلات البرية، حيث تبلغ أطوال الطرق الرئيسة العالمية highway أكثر من خمسة آلاف كيلومتر، هذا عدا شبكة الطرق الوطنية التي تبلغ أطوالها نحو عشرة آلاف كيلومتر وتربط بين المدن الرئيسة، والطرق الفرعية والريفية.
إن أخذنا مجمل الطرق المبلطة والسالكة فالرقم يمس نحو نصف مليون كيلومتر.
وهناك نحو 15 ألف كيلومتر من سكك الحديد، ونحو خمسة آلاف كيلومتر تتألف من خطين، واحد للذهاب والآخر للإياب.
هذه الشبكة الكثيفة من طرق المواصلات البرية الحديثة ذات أهمية بالغة للحياة والاقتصاد دون شك.
واليوم يتباهى السويديون أن نسبة ضحايا حوادث الطرق في بلدهم هي الأدنى على مستوى دول العالم حيث تبلغ 2 في المائة لكل 100 ألف شخص، بينما قد تصل في بعض الدول الشرق أوسطية مثلا إلى 28 في المائة لكل 100 ألف شخص.
واحد من الإجراءات المهمة التي مكنت السويد من خفض نسبة الحوادث وضحايا الطرقات كان نتيجة استثمار هائل في بناء عشرات الآلاف من الكيلومترات من الأسيجة المعدنية لمنع الحيوانات من القفز المفاجئ على الطرقات وسكك الحديد.
إلا أنه ظهر اليوم أن هذه الأسيجة صارت تضر بالحيوانات وتمنعها من الانتقال والهجرة صوب الكلأ والمراعي ولا سيما بعد الانحباس الغازي وارتفاع درجات الحرارة.
في السويد تعد الحيوانات البرية جزءا من الهوية الوطنية والحفاظ على الطبيعة يأتي في مقدمة الأولويات.
وهكذا، شرعت السويد في تصميم نماذج لمعابر تحت الطرق وفوقها كي تتمكن الحيوانات البرية الانتقال بحرية ودون عوائق في أي اتجاه تراه موائما لمتطلبات حياتها.
وقد اطلعت على بعض التصاميم وهي فارهة حقا، لسعتها الكبيرة ومن ثم إنها تعد امتدادا لا تكاد تميزه عن الطبيعة في جانبي المعبر لأنها مكسوة بالتربة والحشائش والأشجار.
وقد باشرت مصلحة المرور العامة بناء عشرة معابر من هذا النوع في أكثر الأماكن كثافة بالحيوانات البرية وستعقبها معابر أخرى كثيرة.
في السويد هناك الملايين من الحيوانات البرية وتأتي الأيائل والغزلان والأرانب والثعالب والذئاب والخنازير البرية في مقدمتها.
ويتلقف السويديون الأخبار والتقارير حول حالة الحيوانات البرية لديهم أكثر من اهتمامهم بأنباء الجائحة.
وعندما أطلق فلاح سويدي نار بندقيته لقتل ذئب كان يفتك بغنمه، صارت قصته قصة "ألف ليلة"، حيث قبضت عليه الشرطة وأودعته السجن وحوكم عليه بغرامة كبيرة ومدة سجن لا تقل عن عامين.
- آخر تحديث :
التعليقات