يقول هنري جيمس "لا تخدعك دموع التماسيح، فالتمساح يذرف الدموع بعد أن يلتهم فريسته".
تقول إحدى الأساطير أن تمساحا قرر أن يلتهم رجلا، وحين كان يقوم بمضغه بين فكيه القويين شعر بالندم، فأخذ يذرف دموعه على مصير ضحيته، فأصبحت دموع التماسيح مضرب الأمثال للمشاعر المخادعة والأحاسيس المزيفة التي تخفي وراءها حقائق كاذبة. ليس كل من يتباكى أمامك ويذرف دموعه بسخاء هو صادق في مشاعره، بل ربما يسعى للحصول على تعاطفك أو تحقيق غاية لا يحصل عليها إلا من خلال العزف على مشاعرك الطيبة واستغلالها أبشع استغلال. إخوة يوسف - عليه السلام - ألقوه في غيابة الجب، ثم «جاءوا أباهم عشاء يبكون»، وامرأة العزيز راودت يوسف - عليه السلام - عن نفسه، ثم بكت حين رأت زوجها قائلة «ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم». كاليجولا، أشهر طاغية في التاريخ الإنساني معروف بوحشيته، الذي كان يقول "إن لم أقتل أشعر بأني غريب"، والذي أغلق مخازن الغلال في روما وأحرقها مستمتعا برؤية أهلها يتضورون جوعا وترتفع أصوات بكاء أطفالهم، ذرف دموع التماسيح يوما بحرقة لأنه، رغم سطوته وجبروته، لم يستطع أن يجعل القمر ضمن ممتلكاته الشخصية، وأن يمسكه بين يديه، وبكى يوما آخر أيضا بحرقة حين خيم عليه الحزن بسبب أنه عاجز أن يجبر الشمس على أن تشرق من المغرب، أو أن يمنع الموت عن الأشخاص الذين يريدهم قربه دوما.
لذلك لا تخدعك تلك الدموع التي أصبح كثير من مشاهير التواصل الاجتماعي يذرفونها لينالوا شهرة تزيد عدد متابعيهم، وبالتالي ترتفع أسعار إعلاناتهم وتتضخم أرصدتهم، ولا تنال أنت شيئا في النهاية سوى "الغلقة وضيقة الصدر" والتهاب قولونك وارتفاع ضغطك بسبب تعاطفك الصادق معهم، بالأمس رأينا إحدى شهيرات "السناب" تذرف دموع التماسيح على قرار معالجة مشكلة الكلاب الضالة، وتدعو إلى الرفق بالكلاب المسعورة التي تنهش أجساد الأطفال الأبرياء وتفجع أهاليهم بهم؟ في مواقف حياتك المختلفة حاول - عزيزي القارئ - أن تكبح عواطفك حتى لا يتلاعب بها الآخرون من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية، ولا تنجرف خلف مشاعرك الطيبة إلى تلك الدرجة التي لا تستطيع من خلالها التفريق بين النائحة الثكلى والمستأجرة. أغلب القتلة والمتحرشين واللصوص يذرفون دموعهم أنهارا قبل أن تتم إدانتهم بالأدلة، ويعترفون بجرائمهم في نهاية الأمر.
وخزة:
لا تخدعك دموع تمساح يخطط لافتراسك في تلك اللحظة نفسها التي يوشك فيها على مسح دموعه!