برفض الرئيس التونسي قيس سعيّد التعديلات التي أدخلها البرلمان على قانون المحكمة الدستورية، تتعمق الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، بعد رفض الرئيس استقبال الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية نهاية يناير الماضي، وكل ذلك بالتزامن مع الأزمة الصحية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.

تونس تعيش أزمات متداخلة ومتشابكة دفعت «الاتحاد العام التونسي للشغل» إلى اقتراح إجراء حوار وطني لإيجاد حلول للأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، وذلك في ديسمبر من العام الماضي، إلا أن آليات الحوار أصبحت مشكلة بحد ذاتها، نظراً لتمسك كل طرف من الأطراف بشروطه، ولا سيما الرئيس.

ما يجري في تونس يبدو كما لو أنه «لعنة الديمقراطية»، فبدلاً من توجه كل المؤسسات الدستورية نحو إيجاد حلول للإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت التونسيين للثورة أصبحت حلحلة صراعات الأجنحة السياسية هي الهدف والوسيلة، فالتونسيون عندما ثاروا على الأوضاع التي وصلت إليها بلادهم كانوا حالمين بمستقبل أفضل، وتنمية سياسية واقتصادية واجتماعية، متطلعين إلى عدالة في توزيع الثروات ورفاه اجتماعي يحترم كرامة التونسي، ولم يكن هدفهم التأسيس لنخبة سياسية متصارعة، وأطراف ساعية إلى السيطرة على الدولة بأي ثمن، وبغض النظر عن تداعيات ذلك على المواطن العادي.

العالم يمر بمرحلة صعبة جراء جائحة كورونا، واقتصاداته تئن تحت وطأة الجائحة، والحكومات جميعها تعمل على تخفيف هذه التداعيات ودعم مواطنيها، فيما النخبة السياسية التونسية غارقة في الدفاع عن مصالحها وأجنداتها، فالرئيس يريد أن يصل إلى نظام رئاسي يتحكم فيه بكل السلطات، وحزب النهضة يريد نظاماً برلمانياً يسيطر فيه على الحكم، وبينهما أجنحة وأحزاب باحثة عن دور، والكل يرى في المحكمة الدستورية أداة لتحييد الآخر، وكل طرف يتهم الآخر، فلم يعُد هناك طرف محايد يريد أن يصل بالبلاد إلى بر الأمان، فهل هذه هي الديمقراطية التي أرادها التونسيون؟

الشعوب عندما ترفع صوتها مطالبة بالديمقراطية، فهي بالأساس لا تبحث عن حوارات سياسية، وتحويل المشهد إلى «حارة كل من إيده إلُه»، بل تبحث عن مؤسسات تحكم بالقانون المفضي إلى تطور وتقدم البلد، بالشكل الذي ينعكس على حصول كل فرد على حقه في العيش الكريم والتعليم والعمل. باختصار، ما يحصل في تونس ليس أكثر من صراع سياسي على السلطة، وكأن لوثة أصابت الجميع، فيما يدفع التونسي البسيط ثمن ذلك.