- يبدو، لوهلةٍ، أنّ أشرس رفض قامع لحقوق المرأة إنما يأتي من المرأة نفسها!. أمر عجيب حقًّا. والعَجَبُ يُبطله السبب. وعليه، فإنه لا بدّ من تجاوز الوهلة الأولى، والمُضِيّ قُدُمًا، لتأمّل الأمر أكثر، وبحثه أعمق!.
- نعم، يُمكن فهم الحذر الذّكوري من حصول المرأة على حقوقها، بدءًا من العادات وانتهاءً بالمنفعة، مرورًا بالمخاوف الوهميّة على مؤسسة الأُسْرَة!.
الفهم لا يعني القبول. لكن يُمكن فهم الاستياء والاعتراض والرفض والحذر من جهة الرّجل لكلّ ما من شأنه تقدّم المرأة في كسب حقوقها، ومحاولة ابقاء الوضع على ما هو عليه أطول فترة ممكنة!.
أمّا أنّ حكاية رفض المرأة لحقوق المرأة حكاية غير مفهومة، فهو ما أعترض عليه!. أظنها مفهومة، أو يمكن فهمها بقليل من التفكّر!.
- أسطر من رواية “شيطنات الطفلة الخبيثة” لماريو بارغاس يوسا، تكشف الكثير، وهذا أوّل القول:
“جميع من يعيشون شطرًا كبيرًا من حياتهم منغلقين في تخيّلات تبنّوها لإلغاء الحقيقة، يعرفون ولا يعرفون ما يفعلونه!. الحدود بين الأمرين تتلاشى لفترات، ثمّ تعود للظّهور بعد ذلك. ما أعنيه هو أنهم يعرفون أحيانًا ما يفعلونه، ولا يعرفون ذلك في أحيان أُخرى!. وهذه هي نصيحتي: لا تُحاوِل إجبارها على تقبّل الواقع!. ساعدها، ولكن لا تجبرها، لا تتعجّلها. إنها مسألة تعلُّم طويلة وشاقّة”!.
- الأمر لا يتعلّق بطبيعة خاصّة في المرأة نفسها، وهو ينطبق على المرأة والرّجل بالتّساوي!. لكن ولأننا “واقعيًّا” نعيش قفزة هائلة “رائعة” في حقوق المرأة، فإن المشهد يأخذ شكله الكاريكاتيري برفض بعض النساء لأخذ حقوقهنّ، والاعتراض على أن يكسبن الأُخريات حقوقهنّ أيضًا!.
- هذا الرفض، لا يعود كاريكاتيريًّا، وتُنتزع منه كل قفشات السُّخرية، وروح الطُّرفة، حين نتذكّر خطبة “مالكولم إكس” الشهيرة، في ستّينات القرن الماضي، في أوج نضال السّود الأمريكان للحصول على حقوقهم المدنيّة!. في تلك الخطبة، وزّع “مالكولم إكس” العبيد على مُسمَّيَيْن: عبيد الحقل، وعبيد المنزل!.
- بذلك التصنّيف، فسّر “مالكولم إكس” ظاهرة رفض كثير من العبيد للحريّة، ومُعاداتهم للعبيد الآخَرِين المطالبين بدحر العبوديّة وبضرورة نيل الحريّة والكرامة والعدل والمساواة!. مَنْ سمّاهم بعبيد الحقل كانوا، في نظر عبيد المنزل، هم الأشرار المُطالبين بمثل هذه الخزعبلات مثل الحريّة والحقوق!.
- كان عبد المنزل يبدو أحسن حالًا من عبد الحقل!. بدءًا من اختيار سيّد المنزل له من بين العبيد!، مرورًا بما يمنحه له ذلك السّيد من بقايا طعامه وملابسه القديمة بدلًا من رميها!. في حين كان عبد الحقل يكدح ليل نهار، وقد لا يرى وجه هذا السّيّد أبدًا!.
- لم يكن الأسياد “المُلّاك” كرماء ولا لطفاء، مع عبيد المنزل، بأكثر من هذا القدر الذي لا يمكنه أنْ يُنسي أي عبد منزل حقيقة أنّه عبد. مع ذلك كان عبد المنزل متمسّكًا بهذه الفوارق التافهة التي تجعله أفضل حالًا من عبد الحقل!. وقد كان من بين عبيد المنزل من هم أشرس بكثير من سادتهم، في رفض وقمع وصدّ عبيد الحقل، الذين كان من بين مطالبهم انقاذ عبيد المنزل أنفسهم من أكل الفضلات!.