تمر في أرضي أفغانستان (مساحتها 65230 كلم مربع) عشرة أنهار مختلفة الأطوال، بعضها مشترك مع دول الجوار، وبعضها الآخر يتدفق حصريا داخل حدودها (مثل نهر هلمند الطويل الذي يفرغ في شرق إيران، ونهري فرح وأرغنداب القصيرين). من أطول هذه الانهار نهر «آمو داريا» المشترك مع طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، ومن أقصرها نهر كونار المشترك مع باكستان، علما بأن هناك نهرًا آخر مشترك بينهما هو نهر كابول.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة فإن أفغانستان تعاني من الجفاف المؤدي إلى نقص المحاصيل الزراعية وارتفاع أسعار الغذاء وتزايد الهجرة لأسباب كثيرة، منها: تعرض أنهارها للتلوث والتدهور الناجمين عن الأنشطة البشرية غير المسؤولة؛ وضعف البنية التحتية القادرة على تخزين المياه وتوزيعها؛ وانعدام الأمن الذي يحول دون الاستفادة من المساعدات الدولية لإنشاء السدود ومشاريع توليد الطاقة؛ وعامل التغير المناخي. ويمكن هنا أن نضيف عاملاً آخر هو مخططات إيران لسرقة مياه نهر هلمند بدعوى أن لها حقوقًا تاريخية فيها. فعلى الرغم من توقيع طهران على معاهدة مياه مع كابول، إلا أن الإيرانيين لا يلتزمون ببنود المعاهدة ويأخذون 70% أكثر من حقوقهم المائية، مستغلين حالة الفوضى في أفغانستان، بل عمدوا إلى إنشاء بنى تحتية للمياه القادمة من أفغانستان دون موافقة الأخيرة. وفوق ذلك يهددون بعرقلة أي مشاريع مائية حكومية في أفغانستان ما لم تحصل الشركات والدول المنفذة على إذن مسبق منهم (مثلاً سبق أن أعلنت وزارة الطاقة والمياه الأفغانية أن البنك الدولي أوقف تمويل مشروع سد كبير، بعدما علم أنه يحتاج إلى إذن من طهران).

وإذا ما علمنا أن إيران باتت تعاني نقصًا في المياه بعد أن جفت بحيرة «أرومية» تمامًا، وتكاد بحيرة «همايون» على الحدود مع أفغانستان تقترب من الجفاف، ناهيك عن جفاف نهر شيراز بعد تحويل مجراه إلى إصفهان. وإذا ما عرفنا أن باكستان هي الأخرى تعاني من مشاكل خطيرة لجهة توفير إمدادات المياه الصالحة للشرب لمواطنيها، ناهيك عن أزمة طاقة حادة، فإنه ليس بمستغرب أن تصبح «المياه» عنوانًا جديدًا للصراع في جنوب آسيا، وقضية بالغة الأهمية لأفغانستان، وكذا لإيران وباكستان اللتين تعتمدان في ري أراضيهما على أربعة أنهار تتدفق في أفغانستان، خصوصًا في ظل غياب إطار قانوني لتفادي الصراع.

ومن هنا فإن لدى حكومة كابول اعتقاد راسخ بأن كلاً من طهران واسلام آباد تسعيان لتخريب جهودها لبناء السدود والسيطرة على مواردها المائية، بل أن كابول اتهمت في عام 2011 عناصر باكستانية بقتل الزعيم المحلي «ولي خان» الذي عهدت إليه الحكومة حماية أعمال إنشاء سد «ماتشانغو» بمقاطعة باكتيان الشرقية، الذي يعد أحد أهم موارد المياه في البلاد. هذا الاعتقاد الأفغاني عززه قيام طهران بزرع عملاء لها في وزارة المياه الافغانية بهدف تزويدها بمعلومات وبيانات عن موارد المياه ومشاريعها، وعززه أكثر شكاوى الهند الدائمة من تدخل طهران دبلوماسيا لإيقاف العمل في سد «سلمى» (سد الصداقة الأفغاني الهندي) الذي انتهت نيودلهي بصعوبة من إكمال تشييده عام 2016 في مقاطعة هيرات الأفغانية ضمن سلسلة من مشاريع البنية التحتية الكبرى التي دشنتها منذ عام 2001 وخصصت لها نحو ملياري دولار، للمساعدة في إعادة إعمار هذه البلاد التي مزقتها الحروب الأهلية.

وعلى الجانب الآخر، تواجه حكومة كابول مشاكل في أعمال بناء السدود التي تمولها الهند بسبب باكستان، فالأخيرة يساورها القلق من دعم نيودلهي لكابول في تشييد السدود، خاصة تلك المشيدة على روافد نهر كابول (مثل سد شاه توت بولاية شهر أسياب)، لأن ذلك سوف يؤثر سلبًا على حصتها من المياه المتدفقة إلى إقليمها الشمالي الغربي (إقليم خيبر بختونخوا)، ويخفضها بنسبة 18%، وفقًا لصحيفة «داون» الباكستانية.

لكن يبدو أن حكومتي كابول ونيودلهي باتا لا تعيران أي اهتمام بالإعتراضات الباكستانية، بدليل صدور إعلان مشترك عن زعيمي البلدين (أشرف غني ونيراندرا مودي) مؤخرًا حول المضي قدما في مشروع سد شاه توت بارتفاع 133 مترًا وعرض 60 مترًا وبكلفة إجمالية قدرها 286 مليون دولار أمريكي. حيث سيروي السد، بعد اكتمال تشييده، أربعة آلاف هكتار من الأراضي جنوب غرب كابول العاصمة، وسيوفر نحو 146 مليون متر مكعب من مياه الشرب لنحو مليوني أفغاني.

إن الموقف القوي، الذي اتخذته حكومة كابول في هذا الشأن، وإعلانها الالتزام بحماية المهندسين الهنود العاملين في مشاريعها الكهرومائية ضد أي أعمال ارهابية قد تقوم بها حركة طالبان، الذي تستخدمها طهران سرًا لخوض حرب بالوكالة على المياه، شجع نيودلهي على الإعلان أنها سوف تمضي في مساعدة الأفغان على تطوير مواردهم المائية دعمًا لاقتصادهم المعتمد أساسًا على الزراعة، ولن تلتفت بعد اليوم إلى أي اعتراضات أيًا كان مصدرها، الأمر الذي قوبل بارتياح في كابول، وقلق في طهران واسلام آباد.