حين نشرت مقالي «أخطاء د. محمد الطبطبائي الفاحشة»، بشأن التحقيق المزعوم لديوان «رَوْض الْخِل والْخَليِل»، استبعدت كلياً أن يبادر المعني بهذه الأخطاء في تقديم ما يبرهن على العكس، فقد لاذ بالسكوت صاحب العلاقة منذ زمن بعيد محتفظاً بسره غير العلمي ودوافعه وراء الانحراف الذي شاب الطبعة 2011.

في الوقت ذاته، لم استبعد أن يأتي تعليق من طرف آخر كما حصل في عام 2012، بعد نشر الأخ العزيز د. خليفة الوقيان في القبس «لن نسكت عن تزوير تاريخ الكويت»، الذي تبع مقاله الأول «أخطاء جسيمة في تاريخ الكويت والقضاء والحياة العلمية».

فهناك أكثر من «ضمير مستتر» فعلاً وليس نحواً حول شيخ الدين د. محمد الطبطبائي، لاسيما أنه شخصية تتميز بعلاقة حميمة مع تيار إخوان المسلمين، ومن المؤثرين في الدوائر الرسمية والإفتاء أيضاً، لذا نجد الاصطفاف ربما على أساس «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً».

فقد جاء قول وهو زعم - في ما أحسب - ليس بجديد على جبهة التحريف للتاريخ، ممن يفترض أن يكون حاضناً وليس متمرداً على التاريخ، حيث غرّد أستاذ التاريخ جمال الزنكي عبر حسابه بنفي بشكل غير مباشر ما ورد في مقالي حول الأخطاء الفاحشة لمحمد الطبطبائي.

وكمرجع علمي غير مستتر، بادر الأخ العزيز د. خليفة الوقيان بالتفنيد العلمي لتوهم د. جمال الزنكي عبر رسالة واتس أب، ولتعميم الفائدة والتأكيد على سلامة الرأي الحصيف، انشر نص الرد، داعياً من يهمه الأمر إلى المواجهة عبر هذا الزاوية بالإفصاح عن هوية المراجع المجهولة تاريخياً!

«رد على د. جمال الزنكي:

القاضي محمد بن فيروز

نشر د. جمال الزنكي، أستاذ التاريخ في جامعة الكويت سابقاً، تغريدة عن قاضي الكويت الأول محمد بن فيروز قال فيها ما نصه:

«لم يثبت أن الشيخ محمد بن فيروز تولى قضاء القرين الكويت سنة 1722. وما في (كذا) ما يثبت بالوثائق ولا في كتاب سبائك العسجد في أخبار احمد بن رزق الأسعد للشيخ عثمان بن سند المتوفى 1824.الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز لم يكن مولوداً في هذا التاريخ». (انتهى كلامه بنصه).

والمشكلة التي وقع فيها د. جمال الزنكي وآخرون، ومنهم أساتذة في الجامعة، أنهم لا يعرفون أن هناك عالمين يحملان اسم محمد بن فيروز، الأول منهما هو محمد بن فيروز الجد، وهو الذي يُعَدُّ أول من وصلتنا معلومات عن توليه القضاء في الكويت. وأن مدة توليه القضاء انتهت بوفاته في عام 1135 للهجرة 1722م. وتولى القضاء بعده الشيخ أحمد العبدالجليل ثم الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني.. إلخ.

أما العالم الثاني فهو محمد بن عبدالله بن فيروز وهو حفيد قاضي الكويت.

وابن فيروز الحفيد لا علاقة له بالكويت. وكان يسكن الإحساء، وحين ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يقبلها وناصبها العداء، حتى ان المؤرخ حسين بن غنام وصفه في كتابه روضة الأفكار والأفهام.. بأنه من ألد أعداء الإسلام، ويقصد أعداء الدعوة الوهابية. وخشي على حياته فهاجر إلى البصرة كغيره من العلماء الذين اختلفوا مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

وقول د. جمال لم يثبت ان الشيخ محمد بن فيروز تولى قضاء القرين الكويت سنة 1722 وما في ما يثبت بالوثائق ولا في كتاب سبائك العسجد.. يمكن الرد عليه بما يلي:

1 ــ المصادر الكويتية التي ذكرت تولي محمد بن فيروز (الجد) القضاء في الكويت حتى عام 1722 كثيرة، منها:

عبدالعزيز الرشيد: تاريخ الكويت، يوسف بن عيسى القناعي: صفحات من تاريخ الكويت، عبدالله الحاتم: من هنا بدأت الكويت. عبدالله النوري: قصة التعليم في الكويت، خليفة الوقيان: القضية العربية في الشعر الكويتي والثقافة في الكويت، عدنان الرومي: علماء الكويت وأعلامها خلال ثلاثة قرون... إلخ.

وهناك مصادر نجدية أيضاً أكدت تولي ابن فيروز القضاء في الكويت.

2 ــ كتاب سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد كما يدل عليه اسمه هو كتاب اهتم بذكر مآثر الوجيه التاجر ابن رزق، وليس تاريخاً للكويت أو للقضاء فيها.

3 ــ عام 1722م ليس تاريخاً لتولي ابن فيروز القضاء في الكويت، بل هو تاريخ انتهاء مدة توليه القضاء بالوفاة.

4 ــ يقول د. جمال إن الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز لم يكن موجوداً في هذا التاريخ - يقصد عام 1722م - وهذا القول يدل على أنه لا يعلم مثل كثيرين بوجود عالمين يحملان اسم محمد بن فيروز، ولذلك نجده يخلط بين الجد المتوفى في عام 1722م، والحفيد المتوفى في عام 1801م». (انتهى الرد).

لستُ شخصياً من دعاة الحجر على الآراء المختلفة، فثمة فرق شاسع بين الرأي الخاص والتحقيق العلمي والتحريف، ولكني ضد من يمتهن تشويه التاريخ، وبالتالي العبث بعقول أجيال اليوم والمستقبل، وتظل الفرصة أمام من يشاء بتقديم الحجة والأسانيد العلمية رداً على ما وثقه د. خليفة الوقيان تحديداً، وليس عبر أقوال واهمة لضمائر مستترة!

وإذا لم يحدث أي من ذلك، وهو الأمر الغالب، فالمسؤولية تقع على وزارة الإعلام في تنقية الساحة الثقافية من إصدارات غير صحيحة منهجاً ومرجعاً، وأعني تحديداً الطبعة 2011 لديوان «رَوْض الْخِل والْخَليِل».