العقيدة اصطلاحاً المقصود بها التصديق والجزم أو الحكم الذي لا يقبل الشك، لكن مصطلح عقيدة بات شائعاً في كثيرٍ من المؤسسات، ومنها الجيوش. والعقيدة العسكرية، يقصد بها القيم والمبادئ المشتركة بين الوحدات، وهي ما يتم تدريب الضباط والأفراد بناءً عليه حتى ترسخ في قلوبهم وعقولهم، وبناءً على هذه العقيدة القتالية يتصرف الجنود في الميدان وخارجه، ومن المعروف أن عقيدة العسكري الروسي تختلف عن عقيدة العسكري الأميركي أو الصيني، فهل للإعلام عقيدة؟
للأسف نجد أن بعض أهل الإعلام منشغلون بمصطلحات شكلية مثل الهوية الإعلامية، وهذا أمر له مبرراته، لكنهم أغفلوا العقيدة الإعلامية، وهي التي تبني الهوية الإعلامية، مما جعل بعض وسائط الإعلام تعيش في حيرة فكرية، جعلت المؤسسات الإعلامية تخضع للأهواء أكثر من العمل المؤسسي الرصين، فكما أن العبادات لا تقبل دون عقيدة، ولا يمكن للعسكري في العالم أن يحارب دون عقيدة عسكرية، كذلك الإعلامي الذي لا توجد لديه مرجعيات تضبط عمله سيجد نفسه منشغلاً بأمور هامشية، ونتج عن ذلك في الإعلام العربي وجود مصطلحات تهدم ولا تبني.
عندما يستنكر المشاهدون تجاوز بعض برامج الإعلام الذوق العام، تجد أن القائمين على المؤسسات الإعلامية يجيبون بقولهم: «هذا ما يعجب الناس». هذه هي النتيجة الأولى لغياب العقيدة المؤسسية الإعلامية، وهل الإعلام تابع أم صانع للثقافة. النتيجة الثانية هي ما يعرف بملء الفراغ، فتجد القائمين على إنتاج قائمة البرامج المقدمة يختارون دون توجيه واضح، وربما من أجل سد فراغ وقت البث في التلفزيون أو إكمال عدد الصفحات المقررة في الإعلام المقروء، وهذا يجعل المشاهد لا يعرف لِم تم اختيار هذا المسلسل عن غيره، ولِم تم إنفاق هذه الميزانيات غير المبررة على برامج وتمثيليات لا تناسب متطلبات العصر الذي نعيشه، بل إن بعضها لا يتماشى مع أجواء الشهر المبارك. الخلل الثالث الذي أصاب بعض المؤسسات الإعلامية لغياب العقيدة الإعلامية، يتلخص في الاهتمام بالمظهر دون الجوهر. فنجد الإعلام المرئي يهتم بالديكور والإخراج، وهذا أمر حسن، لكن بشرط ألا يكون على حساب مضمون البرامج، ونجد المذيع همه الأساس مظهره أكثر مما ينفق على تطوير فكره وعقله. وفي الإعلام المكتوب تم استكتاب كتاب لا يعرف من يقرأ لهم ماذا يريدون، وفي أي كوكب يعيشون؟
لقد نجح بعض الإعلاميين الإماراتيين بميزانياتهم المتواضعة في إنتاج برامج نفخر بها نحن أهل الإمارات، فلِمَ لا يتم استقطابهم وتأمين ما يحتاجون كي يقدموا أفضل ما عندهم، إن الإعلام بحاجة من وقت إلى آخر لإعادة النظر في عقيدته قبل البحث في هويته.
* أكاديمي إماراتي