الميراج معناها السراب، وهي اسم طائرة مقاتلة فرنسية الصنع ولها قصص تستحق هذا المقال، وأكثر..

بعد الاعتداء الثلاثي على مصر الشقيقة في عام 1956 من الكيان الصهيوني، وفرنسا، وإنجلترا، استمرت العلاقات العسكرية الودية بينهم، وانعكست في التحديث الكامل للأسطول الجوي الإسرائيلي "هيل ها أفير" بالطائرات المقاتلة النفاثة الفرنسية.. بدأت بطائرات "الأوراجون"، ثم "الفانتور"، ثم "الميستير"، ثم "السوبر ميستير" الأسرع من الصوت.. وتُوّج كل هذا بطائرة "الميراج" والتي كانت الأحدث على الإطلاق في الترسانة الجوية الفرنسية. تميزت بسرعتها التي كانت تصل إلى ضعف سرعة الصوت، وارتفاعها الذي كان يصل إلى حوالي ستين ألف قدم، وتسليحها الحديث، ومرونتها القتالية سواء كانت للاعتراض، أو الهجوم الأرضي، أو الاشتباكات الجوية. وحصل الأسطول الجوي الصهيوني على 72 طائرة من هذا الطراز. ومن التطورات المهمة في تلك الأيام كانت تكوين شركة "بيديك" الإسرائيلية لتصنيع الطائرات حيث قامت بتجميع وتصميم أجزاء من طائرة تدريب فرنسية نفاثة اسمها "فوجا ماجيستير". وفي عقد الستينيات أصبحت القوات الجوية الإسرائيلية تشمل حوالي مائة طائرة أسرع من الصوت... ومائة وخمسين مقاتلة نفاثة أخرى.. ومجموعة طائرات تدريب ومساندة متعددة المهام. وللعلم فلم تكن الولايات المتحدة عندئذ من المزودين للقوات بأي طائرات مقاتلة حديثة.

وجاءت المفاجأة في عام 1968 عندما قام الرئيس الفرنسي تشارلز ديجول بمنع السلاح عن الكيان الصهيوني بسبب عدوانهم على مصر، وسوريا، والأردن في حرب النكسة.. وبسبب تدمير القوات الإسرائيلية لثلثي الأسطول المدني اللبناني في مطار بيروت. كانت هناك حاجة ماسة للاستمرار في التسليح لتحديث الأسطول الجوي، ولتعويض خسائر الحرب أيضاً، فبدأت محاولة لتصنيع طائرات الميراج الحديثة بداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.. وكان ذلك القرار صعب التطبيق بسبب تعقيدات تصميم وتصنيع الطائرات.. وعلى سبيل المثال، كانت الرسومات الهندسية ورقية.. ويقدر عددها بحوالي 250 ألف لوحة لطائرة الميراج شاملة تفاصيل المحرك، وأجهزة الملاحة، والتصويب، والتسليح وغيرها.. ويصل وزن تلك اللوحات إلى حوالي ثلاثة آلاف كيلوجرام.. يعني تحتاج إلى أربعة "ونيتات هايلكس" على الأقل لحملها.. وبدأت إحدى أغرب العمليات الاستخبارية من "الموساد" لسرقة نسخة كاملة من الرسومات، ولكن الحصول عليها كان من المستحيلات من الشركة الفرنسية، ولذا فلجأت إلى سرقتها من شركة "لوفتيك" في مدينة "وينتر تور" في شمال شرق سويسرا التي كانت مرخصة لإنتاج طائرة "الميراج". والمهم في القصة أنهم نجحوا في السرقة.. ثم نجحوا في تصنيع الميراج الإسرائيلية، وأجروا عليها بعض التعديلات لتحسينها، وأطلقوا عليها اسم "ناشر" بمعنى النسر باللغة العبرية.. ثم تم إجراء المزيد من التعديلات الجوهرية لاحقاً لتصبح طائرة "الكفير" ومعناها الشبل بالعبرية في عام 1973، وكانت مزودة بمحرك أقوى تم نقله من طائرة الفانتوم الأمريكية.. وتم تزويدها بنظم رفع مختلفة، وبعض التعديلات على التسليح. وأضيف إحدى الغرائب هنا وهي أن الميراج كانت تستخدم في العديد من الدول ومنها لبنان الشقيق.. وفي أكتوبر 1969 كانت هناك محاولة لسرقة طائرة بأكملها من القوات الجوية اللبنانية لصالح الاتحاد السوفيتي. وتم إحباط تلك المحاولة بنجاح.. يعني الميراج كانت مثل العروس الجميلة الغلبانة.. دائماً عليها العين من الصالح والطالح.. والصايع!

أمنيــة

من أهم نتائج قصة الميراج أعلاه هي أن محنتها ساهمت في تحويل صناعة الطيران في الكيان الصهيوني فأصبحت لديهم صناعات متعددة تحتوي على ما لا يقل عن مائة وخمسين مؤسسة.. أكثر من محلات الفول في بعض العواصم العربية.. تستحق وقفة تأمل، ولكن كونها قامت على الباطل لا يجعلها من الأمثلة التي يحتذى بها. أتمنى أن ندرك هذه الحقائق بمشيئة الله، وهو من وراء القصد.