جاءت الجريمة، التي راح ضحيتها شهيد الواجب شرطي المرور عبدالعزيز الرشيدي، رحمه الله، وألهم ذويه الصبر والسلوان، لتلقي الضوء مجدداً على السلوك العنيف في المجتمع، والحاجة لإيجاد حلول حقيقية وجادة، لإيقاف الهدر المستمر في أرواح بريئة.

يصح القول إن الاعتداء على رجل شرطة يمثّل استهانة بهيبة رجال الأمن، وهي مسألة تزداد عبر الاستهتار بالتفاخر بالاعتداء على رجال الأمن من قبل البعض، ومن ثمّ الظهور للتفاخر بتلك الفعلة، ثم يتم "تسويتها" ودياً، بتدخّل من نائب أو متنفذ، مما يجعل الاستهتار بهيبة رجل الأمن أمراً دارجاً ومؤسفاً.

ما إن تحدث جريمة قتل بشعة، حتى يبدأ الناس عبر وسائل التناحر الاجتماعي بتأليف قصص من نسج خيال، ونبش الحياة الشخصية، للقاتل والضحية، دون أي اعتبار لمشاعر الأهل أو للقيم الإنسانية، وأغلبها روايات مختلقة، يتم نشرها باستهتار غريب، وفي أحيان بشماتة غير مفهومة، وسيكوباتية غير مدركة، وحتى عندما تظهر الحقيقة المخالفة لأكاذيبهم، لا نجد معتذراً، ولا مصححاً.

ما إن تحدث جريمة قتل بشعة، حتى يتسارع السياسيون إلى تصفية حساب هنا أو حساب هناك، بطريقة لا تبني، ولا تقي مجتمعاً من الأذى. وحتى تتصاعد حالة انفصام يظهر فيها البعض كراهيتهم لهذه الفئة أو تلك، والمطالبة بسحب جنسيات أو إبعاد جنسيات، هكذا هي الحلول المطروحة، لا تسمن ولا تغني من جوع.

ما إن تحدث جريمة بشعة حتى يتنادى البعض بأنّ الحل هو الإعدام، هكذا، بينما الإعدام هو أسهل الحلول، لا يتطلب إلا حبلاً و"عشماوي"، وهو محاولة للهروب من المشكلة لا علاج لها.

في الجريمة الأخيرة، مات القاتل متأثراً بجروحه، فاختفت الدعوة التقليدية بإعدامه، فماذا سيقال؟

حدثت أكبر الجرائم بشاعة عندنا في 1962، هزّت أركان المجتمع الصغير حينها، متجانساً، إن جاز التعبير، عندما قتل خميس أخاه جمعة، وقطّعه إرباً، ودفنه في صندوق، ثم تم إعدامه شنقاً سنة 1964، فلم يوقف الإعدام جرائم قتل أخرى لا تقل بشاعة.

كان الشيخ جابر الأحمد، يرحمه الله، يتمهل في تنفيذ الإعدام، خشية من ظلم الدولة في قتل الناس، فقتل الأفراد يختلف عن قتل الحكومات. فأميركا مثلاً، مازالت تطبق وتنفّذ الإعدام، حتى في صغار السن، والمرضى النفسيين، ومع ذلك، فإنّ جرائم القتل الجماعي في المدارس، وغيرها من الأماكن العامة، مستمرة، وهي الأعلى في العالم، بينما في كندا القريبة منها، ما إن ألغت الإعدام حتى انخفضت جرائم القتل فيها. فجرائم القتل والعنف لها أسباب اجتماعية واقتصادية، أوسع وأكثر تعقيداً من مجرد التخلص من القاتل.

جريمة تلي جريمة، وصياح ولطم وشقّ جيوب، وتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور موجّهة لهذا المسؤول أو ذاك، دون رؤية ودون حلول شاملة، وبعد أيام سينسى الناس ذلك، وسينتظرون جريمة أخرى ليبدأ نفس المسلسل، وربما بنفس التفاصيل، ولا نعرف مَن ستكون الضحية القادمة، وبأيّ سبب قُتلت، لربّما بسبب هوشة عادية. اللهم احفظ البلاد والعباد... ولا حول ولا قوة إلا بالله.