كيف يمكنُ أن يكونَ شكل إيران إذا ما انتهى الحكم الثوري؟.. هذا السؤالُ طرحه وحاول الإجابةَ عنه الدكتورُ الأمريكي (مايكل روبين) الباحثُ المقيمُ في معهد أمريكان إنتربرايز، ونشرته (أخبارُ الخليج) يوم أمس جاء فيه: إن الجمهوريَّةَ الإسلاميَّةَ الإيرانيَّةَ التي بلغَ عمرها 42 عامًا الآن، تواجه اختبارًا لوجودها، فالتحول فيها يلوحُ في الأفق، حيث يناقش الإيرانيون ما قد يحدث بعد وفاة المرشد الأعلى (علي خامنئي) الذي بلغ من العمر 82 عامًا، وهو صاحبُ الكلمةِ العليا في إيران منذ أكثر من ثلاثةِ عقود، وتعتمدُ أهمية انتخاب (إبراهيم رئيسي) رئيسًا جديدًا لإيران (المتشدد) على جهودِ خامنئي للحفاظِ على المناخ الثوري، وعلى الميزةِ التي توفرها (الرئاسةُ) لإبراهيم رئيسي حال حدوث فراغٍ مفاجئ بالنسبة إلى أعلى وأهم منصب في البلاد، وكان خامنئي موجودًا عندم توفي الخميني، وتحرك بسرعة لخلافته، إلا أن الدكتور (مايكل روبين) يقول: (إن الخلافةَ هذه المرة قد لا تتم بنفس السهولة، لأن خامنئي يفتقر إلى ما كان يتمتعُ به الخميني من مؤهلاتِ دينية وقوة شخصية).

ويخلص البحثُ إلى ثلاثةِ احتمالات: الأول متمثل في (الدكتاتورية العسكرية) إذ يسيطرُ الحرسُ الثوري الإيراني علي نحو 40 بالمائة من اقتصادِ البلاد، كما يحتكرُ الأسلحةَ، وهو مؤهلٌ لملء أيِّ فراغ، وليس من المحتمل أن تجعل أيُّ ديكتاتورية عسكرية إيران حليفًا للولايات المتحدة.. والاحتمال الثاني هو (الحرب الأهلية)، ففي كل لحظة من لحظاتِ ضعف الحكومة المركزية الإيرانية، كان هناك تمرُّدٌ من جانب الأقلياتِ العرقية والطائفية على طول حدود إيران.. والاحتمال الثالث هو (التحول المدني)، حيث يقول الدكتور (مايكل روبين): عندما قاد الخميني الثورةَ وحد الإيرانيين ضد الشاه، ولكنه كان غامضًا فيما يتعلق بما سيحدث بعد ذلك، فقد وعد (بديمقراطية إسلامية) ولكن لا يزال يشكو كثيرٌ من الإيرانيين من أن هذا لم يتحقق، وأن الديمقراطيةَ بعيدةُ المنال في الشرق الأوسط!

على الرغمِ من توقُّع كل هذه الاحتمالات الواردة في تقرير الدكتور (مايكل روبين) ويمكن للقارئ أن يطلعَ على تفاصيل أكثر حوله في عدد (أخبار الخليج) بالأمس، ولكن هذا التقرير يقرأُ المستقبلَ من دون الرجوع إلى خلفيات الماضي الحقيقية لصعود الثورة الخمينية وحكم الملالي عام 1979 في إيران.. ذلك بأن الثورة الإيرانية آنذاك كان يشارك فيها كلُّ الأحزابِ السياسية المعارضة لحكم الشاه، الاشتراكيون والقوميون والشيوعيون، وحتى منظمات راديكالية يسارية مثل منظمة (فدائي خلق)، ومنظمة (مجاهدي خلق)، والطلاب وتجار «البازار» والمعارضة في الخارج، ولكن الغرب عمومًا، وفرنسا وبريطانيا تحديدًا استطاعتا إقناع أمريكا بالتخلي عن دعم حكم الشاه، وإبرام اتفاق بين (العسكر) في إيران ورجال الدين في تحالف يملأ الفراغ بعد سقوط نظام الشاه، وفرنسا وبريطانيا دفعتا باتجاه تعزيز صعود (الخميني) لتسلم السلطة.. ولا يزال الكثيرون يتذكرون منظرَ الطائرة الفرنسية التي حطت في مطار طهران عام 1979 وعلى سلمها ينزل الخميني قادمًا من باريس محاطًا بحماية أمنية كبيرة!

الغربُ هو من صنعَ (حكمَ الملالي) في إيران، وقدَّم لرجالاتِ الدين كلَّ الدعمِ الإعلامي واللوجستي والمالي للتخلصِ من نظامِ الشاه، سواء أثناء الثورةِ في الشوارع والمدن الإيرانية أو بعد وصولِ (الخميني) إلى سدة الحكم، وتخلصه من المعارضةِ والأحزابِ المدنية، الذين دعموا زعامته منذ البداية، وكان اسم (آية خلخالي) أداة الخميني في التصفياتِ الجسدية للمعارضين.. اسمًا مرعبًا في إيران إبان تثبيت حكم (ولاية الفقيه) الطائفية الدينية خلفًا لحكم الشاه.. كانت الإعداماتُ بالمئات بين صفوفِ الشعب الإيراني.. وحين سألوا الجلاد (خلخالي) آنذاك: ماذا لو أن الذي أُعدم ثبت بعد ذلك أنه بريء؟ فقال: (لا تقلقوا.. سوف يذهب إلى الجنة)!!

هذه هي حقيقةُ إيران.. التي صنعها (الغربُ) في المنطقة.. وجعل إيرانَ تصدرُ الثورةَ إلى الخارج، وتشكِّلُ الخلايا الإرهابيةَ في دولِ الخليج، والمليشياتِ المسلحةِ والإرهابية في سوريا ولبنان والعراق واليمن.. ولذلك فإن (الغربَ) أيضًا لن يسمحَ بسقوطِ حكم الملالي في إيران.. تمامًا مثلما يفعلون حاليا في مباحثات (فيينا).. هذه هي الحقيقةُ المرة!