على مدار الأسبوعين الماضيين، حاولت تتبع كل التحليلات السياسية والاقتصادية التي تناولت موضوع «وجود خلاف» أو «تصدع علاقات» بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، انطلقت معظمها من محاولة فهم ما جرى في تحالف «أوبك بلاس» لتمديد اتفاق خفض الإنتاج من النفط، أو أنها استغلت ذلك وراحت تضع النظريات الواحدة تلو الأخرى، متأملة تصعيد «ذلك الشيء الصغير» الذي تصوره تلك النظريات والتحليلات أنه «شقاق» بينما رآه الأشقاء، الإماراتيون والسعوديون، على حد سواء، بأنه «حوار بناء».
الصدمة الكبرى لكل تلك التحليلات كانت في كلمة من سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، حين سُئل على هامش مؤتمر صحفي، للإعلان عن الوصول إلى اتفاق بشأن تفاصيل تلك التسوية، فقال: «لماذا ينبغي أن أذكر كل شيء، هذا فن أحتفظ بسره ونحتفظ بسره كلنا.. دائماً تقدرون أننا ليس لدينا الأكفاء أو لسنا أذكياء أو دبلوماسيين، وأيضاً كانت لديكم رؤية عمياء بشأن ما يجمعنا معنا، ما يجمعنا معاً أكثر مما تكتبونه للأسف» ثم اتجه إلى وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي وسأل: «هل أنا صحيح سهيل؟» وحينها رد معالي المزروعي: «100%، أنت محق سمو الأمير، علاقات الإمارات مع السعودية هي التي سمحت لنا بأن نتوصل إلى تفاهم بشكل سريع مع أوبك»، فعاد سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان ليؤكد أنه «لا يوجد في العالم من يعمل على الطاقة المتجددة كما تفعل السعودية والإمارات، فالبلدان يتشاركان الطموح الكبير بشأنها، ونعمل بشكل متطابق على هذه الاستراتيجية».
فعلاً هي كذلك يا سمو الأمير، إنها مجرد رؤية عمياء تتربص في صحف عالمية ووكالات أنباء وفي كواليس سياسات عالمية وإقليمية وغرف معتمة ومظلمة لا يمكنها على الإطلاق فهم ما يجمع البلدين من تاريخ وعلاقات وأخوة وصدق وثقة وما يجعل السعودي إماراتياً والإماراتي سعودياً، فيحاولون أن يجدوا في الصفحة البيضاء نقطة واحدة سوداء، فيفشلون ثم يتخيلونها لدرجة أنهم يظنونها ستكبر وستصبح خلافاً أو شقاقاً، إنهم كذلك يا سمو الأمير، وقد نطقت بالحق.
لا يمكننا إنكار التنافس التجاري بين السعودية والإمارات، ففي أكتوبر 2018 أعلن صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، خلال حديث له في مؤتمر الاستثمار الذي انعقد في الرياض «إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي قدم أنموذجاً في دبي يُحتذى به، وأن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رفع سقف النجاح في الشرق الأوسط»، فكان هذا التصريح العظيم، الصادر عن رجل عظيم، بمثابة الدخول في سباق المنافسة الشريفة التي ستقوي الطرفان وسيكون الإماراتيون أسعد شعب في العالم وهم يتنافسون نحو المركز الأول مع أقرب أشقائهم وأكثرهم وداً وحباً وأمانةً وصدقاً، وليس في المجالات الاقتصادية فحسب، بل في كل المجالات، فالإماراتي يحب دائماً أن يكون الأول، لكن ذلك يوازي بنفس الدرجة، أن يكون شقيقه السعودي الأول أيضاً، وستكون فرحته ذاتها، فالنتيجة واحدة من وجهة نظر الإماراتي والسعودي، كيف ستفهمون ذلك؟
يقولون، في معظم التحليلات، إن هناك جوانب سياسية تتعلق باتفاقية السلام مع إسرائيل، أو المصالحة مع قطر، أو الحرب في اليمن، وغيرها، ويمعنون «تخيّل» تلك النقطة السوداء في الصفحة البيضاء، ولو قرأوا التاريخ جيداً، واطلعوا على ما تصرح به قيادة البلدين منذ سنوات طويلة، وكان لديهم عقول واعية تستطيع تقدير ما هو أعمق من المصالح بين السعودية والإمارات، لعرفوا سذاجة هذا الطروحات، وفهموا أنه ليس هناك أي مجال أو احتمال لوجود أي خلاف على أي صعيد، ما دامت قيادة البلدين الحكيمة الرشيدة، في السعودية والإمارات، وكذلك شعبا البلدين، يجمعهما هذا الحب الأخوي النزيه، الذي لم تعرف البشرية جمعاء، مثيلاً له.
هل يستغربون الآن زيارة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لشقيقه صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان، في يوم عرفة؟ كيف يفهمونها إذا كان تفسيرهم يستند إلى تحليلاتهم ونظرياتهم الساذجة؟ لن يفهمها سوى ذلك الذي يعي فعلاً أن «السعودي إماراتي والإماراتي سعودي».
لقيادة السعودية والإمارات، ولشعبي البلدين الشقيقين، وللأمتين العربية والإسلامية، في هذا اليوم المبارك: كل عام وأنتم بألف خير.

*لواء ركن طيار متقاعد