في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015 احتفلت حكومات العالم بتوقيع اتفاق باريس للتغير المناخي، هل تأخر الاتفاق على حماية كوكب الأرض؟ يبدو الأمر محيراً، فنحن نعلم سلفاً بأنه لا توجد بدائل لهذا الكوكب، ولن يستطيع بنو البشر تغيير مقر إقامتهم في المدى المنظور.
فما الذي جرى في مدينة النور في اليوم المذكور؟
العلامة الفارقة لهذا اليوم هي التوقيع على اتفاقية باريس للتغير المناخي، وهي أول معاهدة دولية ملزمة قانوناً لكل الدول المشاركة، ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وتعدّ الاتفاقية بمثابة حجر الأساس في عملية تغير المناخ المتعددة الأطراف، ونستطيع القول الآن بأن التغير المناخي قد أصبح قضية مشتركة لكل شعوب العالم.
لكي ندرك أبعاد المشكلة سننظر إلى القراءات التي تصلنا من «جيسن»، وهي تؤكد «أن مستوى سطح البحر على الأرض في ارتفاع مستمر، نتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض التي تؤدي إلى ذوبان الأنهار والجبال الجليدية». و«جيسن» هو القمر الصناعي الذي أطلقته وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) منذ 30 سنة، والذي يقدم قراءة كل 10 ساعات عن مستوى سطح البحر على الأرض، وتصديقاً لذلك فإن مستوى سطح البحر قد ارتفع في كل أنحاء العالم بمقدار (16 سم - 21 سم) منذ بداية القرن الماضي، حسب ما يشير إليه موقع «ناسا»، وهو ما يهدد حياة الملايين من البشر الذين يعيشون قرب السواحل.
علق أحد خبراء البيئة قائلاً: «أن تصل متأخراً خيرٌ من ألّا تصل، هي فرصة، وربما نستطيع من خلالها إنقاذ كوكبنا»، وإذا استطاعت الدول الموقعة على اتفاقية باريس الوفاء بتعهداتها فسيُسهم ذلك في الحد من ارتفاع درجة الحرارة على الأرض، ولن تذوب الجبال الجليدية بهذه الوتيرة السريعة التي نشهدها اليوم، ولكن ذلك مشروط بالتزام الدول بتقليل الانبعاثات الكربونية، أو ما يسمى بغازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض.
بعد خمس سنوات من التوقيع نستطيع القول بأن البداية مشجعة، فقد تنامى الوعي العالمي، وتسارع الحراك العلمي، وزادت الدراسات والبحوث، وأصبحت الجامعات تدرّس تخصصات جديدة في مجالات التغير المناخي، وخلقت فرص عمل واستثمار في مجالات لم تكن متاحة من قبل.
نجحت المعاهدة في إرسال إشارات سياسية قوية تشير إلى أن اتخاذ إجراءات مناخية محددة لن يضر بالاقتصاد. بل على العكس، ستؤدي هذه الإجراءات إلى تحقيق العديد من الفوائد المتعلقة بالتوظيف والصحة والتنمية البشرية، من خلال مواءمة النمو الاقتصادي قصير الأجل مع أهداف التنمية المستدامة طويلة الأجل.
من الصعب ولكن من الممكن التحول تدريجياً إلى نموذج اقتصادي يضمن النمو دون الإضرار بالبيئة، وهكذا نضمن الاستدامة، وها نحن نرى الآن المزيد من الدول والشركات تضع أهدافاً لتقليل نسبة انبعاث الكربون، وأصبحت اليوم الحلول الخالية من الكربون قادرة على المنافسة عبر القطاعات الاقتصادية التي تمثل قرابة 25٪ من حجم الانبعاثات في الغلاف الجوي للأرض.
التحديات ما زالت موجودة، ويكفي أن نعرف أن 25 مدينة فقط تُسهم بأكثر من نصف انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية، والأسبوع الماضي ذكرت مجلة «يو إس نيوز» «الأمريكية أن استخدام الطاقة للكهرباء السكنية والتجارية والصناعية شكل 80٪ من الانبعاثات في أوروبا وأمريكا الشمالية». وفي مجال المواصلات فإن أكثر من 30٪ من الانبعاثات هي نتيجة للسفر على الطرق. أما السفر بحراً وجواً وعبر السكك الحديدية فيشكل 15٪ من حجم الانبعاثات.
لفهم التفاصيل الدقيقة في التغير المناخي علينا بناء المعرفة العلمية المطلوبة، عبر التخصص في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؛ كونها المسار الطبيعي لمعالجة قضايا تغير المناخ، وبذلك يستطيع طلاب الجامعات تحويل شغفهم لحماية البيئة إلى مهن ترتبط بصناعات مختلفة.
قبل أيام أعلن عن الشراكة بين أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية وكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، أشار الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، إلى أن قضايا التغير المناخي أصبحت جزءاً من السياسة الخارجية لدولة الإمارات، وحث الشباب على التخصص في أحد مجالات حماية البيئة والمناخ وهي عديدة، «ووجود خبراء إماراتيين في القضايا العالمية كحماية البيئة سيعزز وجودنا على الساحة الدولية ويخدم مصالحنا الوطنية».
قضي الأمر، ولا جدال اليوم بأن المخاطر البيئية المرتبطة بالتغير المناخي تهدد كوكبنا، وتستدعي تحركاً جماعياً وفورياً، ونحن في دولة الإمارات كنا أول دولة عربية توقع على اتفاقية باريس للتغير المناخي؛ لإيماننا بأن حماية الأرض، بيتنا الكبير والوحيد، هي مسؤولية مشتركة ورسالة إنسانية.

* سفير الدولة لدى فرنسا والمندوب الدائم لدى اليونسكو