كان المحتوى السياسي لمنصة «فيسبوك» وسواها من منصات التواصل الاجتماعي، موضع سجال حاد في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن ذهب ساسة ومحللون كثر إلى القول إن هذه المنصات مسؤولة عن الكثير من أوجه الفوضى والتوترات التي شهدتها بعض البلدان، تحت تأثير ما ينشر عليها من رسائل سياسية تحريضية. وشهدنا مثل هذا السجال في عدد من البلدان العربية في ذروة الاحتجاجات والتحولات التي عرفتها في بداية العقد الماضي.
ليس دقيقاً القول بأن من يديرون هذه المنصات لم يمارسوا أوجهاً من التدخل لإلغاء أو الحدّ من بعض الرسائل السياسية التي تنشر عليها، عبر التجميد المؤقت لبعض الحسابات، أو توجيه إنذارات لأصحابها بحظرهم إن هم استمروا في نشر ما تراه المنصة مخالفاً لتوجهاتها، بل إن الأمر بلغ حد الحظر الدائم لبعض الحسابات كما فعلت منصة «تويتر» مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حتى إن منصة «فيسبوك» أعلنت على لسان رئيسها التنفيذي أنها أزالت أكثر من مليون مجموعة خلال عام واحد.
إعلان جديد يجري تداوله عن عزم «فيسبوك» الابتعاد قدر الإمكان عن المعارك السياسية للتركيز على ما وصفته ب«التفاعلات الإيجابية والمربحة»، وحسب الرئيس التنفيذي ل«فيسبوك» مارك زوكربيرج، فإن المنصة لن توصي بعد اليوم مستخدميها بالانضمام إلى مجموعات ناشطة أو سياسية، وهو إجراء تطبّقه في الولايات المتحدة منذ الخريف لمحاولة تهدئة التفاعلات بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أُجريت في أجواء متوترة، موضحاً أن الهدف من هذا الإجراء هو «تهدئة الأمور وتثبيط النقاشات المثيرة للانقسام، ومساعدة الناس على الاستمتاع فحسب».
هذا الإعلان جاء على خلفية اتهامات وجهت ل«فيسبوك» من قبل قطاعات كبيرة من المجتمع المدني بأنها تُستخدم كقاعدة لبعض الأشخاص والمنظمات التي تحرّض على العنف. وتشير بعض التقارير الصحفية بأنه، وخلال فصل الصيف، قاطعت مئات العلامات التجارية المنصة للمطالبة بضبط أفضل لما يُسمى بمحتويات «الكراهية»، في أعقاب التظاهرات ضد العنصرية المنهجية في الولايات المتحدة، فيما طالبت منظمات غير حكومية ومسؤولون سياسيون «فيسبوك» بتحمّل مسؤولياتها في ممارسة الرقابة على المحتوى التحريضي لبعض ما ينشر عليها.
ومع أن «فيسبوك» تقول بأنها اتخذت الكثير من الإجراءات الرامية للحدّ من الأخبار الكاذبة والمضلّلة، لكنّ هذه الإجراءات لم ترضِ العديد من المنظمات المناهضة للعنصرية أو التي تدافع عن الحقوق والحريات بشكل عام، ولعل هذا ما حدا بمؤسس المنصة للقول بأن «السياسة لديها هذا الميل للتدخل في كل شيء، لكن لدينا الكثير من ردود الفعل من جانب مستخدمينا الذين لا يريدون ذلك».