يجادل البعض بأن السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط الكبير لن تكون ذات تأثير سلبي مهم على المصالح والدور الأمريكي، إلا أنه من شبه المؤكد أن التأثيرات ستأتي من زاوية أخرى وهي مصداقية واشنطن لدى حلفائها، وطموح اللاعبين الجدد للحلول مكانها.
سياسة واشنطن الخارجية تركز في هذه المرحلة على الصين وروسيا بشكل أساسي وعلى أوروبا بشكل أقل، مقابل انسحاب وإعادة تموضع للأصول العسكرية في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط الكبير، الذي يضم إلى جانب المنطقة العربية كلاً من تركيا وإسرائيل وإيران وأفغانستان وباكستان.
النهج الأمريكي الحالي قائم على اعتماد مبدأ النفوذ والتأثير الدبلوماسي والتخلي الواضح عن «عقيدة كارتر» التي تنص على استعمال القوة لحماية المصالح الأمريكية في الخليج، فرغم جدال البعض بفاعلية وقدرة التأثير الأمريكي الدبلوماسي إلا أن هذا التأثير لطالما كان أقرب إلى النفوذ الصوري، فالواقع يؤكد أن دبلوماسية أمريكا استندت إلى قوتها العسكرية الموجودة على الأرض، ولم تُكن الدبلوماسية أكثر من أداة من أدوات التفوق العسكري.
اتخاذ أمريكا قرارات تؤثر على حلفائها بطريقة منفردة ودون تشاور معهم، خاصة بموضوع التموضع البشري والعسكري سيكون له انعكاسات مباشرة على مصداقية واشنطن وتراجع ثقة الشركاء في الاعتماد عليها، فكما يدور حوار أمريكي حول سياستها الخارجية، فإن دول العالم ومنطقتنا تحديداً ستجري مثل هذا الحوار، وسيكون التساؤل الأبرز هو: هل استمرار الرهان على النفوذ الأمريكي الأحادي لا يزال أمراً منطقياً؟ أم يجب التفكير في خيارات أخرى بشأن تعددية التحالفات لتقليل أي تأثيرات مستقبلية للقرارات الأمريكية الانفرادية؟
إدارة جو بايدن تسعى في هذه المرحلة إلى خفض انخراطها في القضايا الإقليمية، وتقليل التكاليف، وهي تتصور أنها قادرة على مواصلة تأثيرها في ظل هذا المسار، إلا أن التاريخ السياسي والعسكري يؤكد أن التأثير والنفوذ لا يمكن أن ينسجما مع سياسة خفض المشاركة، وهنا يبدو أن واشنطن في غمرة انشغالها بمنافسها الجديد (الصين) لم تدرك أن تقليل مشاركتها يجعل من سياستها أقرب إلى رد الفعل.
بالمحصلة، إن قيادة أمريكا للعالم تحتاج إلى نظرة شمولية تُوازن بين كل المناطق، وتراعي مصالح الحلفاء، واجتزاء هذه النظرة بمواجهة اللاعب العالمي الجديد (بكين) يعني خسارتها مناطق لا تقل أهمية عن آسيا، فالجزء الفارغ دائماً ما يجد مَن يملؤه!
التعليقات