في المؤسّسات مديرون من كلِّ الأنواع. بعضُهم يرغب في العملِ مع أشخاصٍ نسمّيهم باللغة الإنكليزية yes sir, yes ma’am. هؤلاء المديرون يُفاخرون بأنَّ موظّفيهم يُطيعون أوامرَهم. "بالعربي الدّارج ما بِيلَبْكولُنْ راسُنْ". هُمْ ينفّذون بالحذافير ما يطلبه المديرون منهم. غالباً ما يكون هؤلاء الموظّفون مُنجِزين على مستوى تنفيذ المهمّات اليوميّة الروتينيّة. قد يكتفي المدير بهذا الإنجاز البسيط من نوع الـ"تحصيل الحاصِل"، إذْ إنَّه لا يرغب في أن يقومَ الموظّف بأيّ مهمَّةٍ أكثر عُمقاً وCreativity في المؤسّسة. مدير كهذا يحبُّ أن يعملَ مع موظّفٍ ضعيف، لا يناقش ولا يفكّر ولا يسأل ولا يهتمّ بالأجوبة عن التساؤلات. هو فقط يُنفّذ بلا تفكير، ويُسيّر الأمور من دون شغَف، وأقصى فرحٍ عنده هو رضى المدير عليه لأنّه "آدمي". هو لا يطمح إلى اكتساب صفةٍ مهنيّةٍ أخرى.

غالباً ما يتوقّفُ نجاح مؤسّسة كهذه على قوَّة المدير خاصة، وعلى صِفاتِ شخصيَّتِهِ، خصوصاً إذا كانت شخصيّة مِقدامة، جريئة، معبّرة بمنطِق، عميقة، ومثابِرة. هؤلاء كُثُر في المؤسّسات ولا تستهنْ بعددِهم. قد يفوقُ عددهم ما أنتَ تتوقّع.

في المقابل، هناك مديرٌ خلّاق، مُبدِع، شُجاع، جريء، مِقدام، وفي الوقت نفسه، يؤمِن بالعمل مع الأقوياء. يبحثُ عنهم بـ"السراج والفتيل". هو يدرك أنَّهم في بعض المرّات "بيوَجْعولو راسو". سببُ ذلك أنَّهُم يناقشون بعض القرارات بحماسةٍ، وقد يَظهرون على مفارِقَ طُرُقٍ معيّنة وكأنّهم يتمرّدون، أو يكادون يتمرّدون على قراراته. لكنّهم في الواقع لا يَصِلون إلى حدود التّمرُّد بقدر ما يريدون أن يقولوا له إنّهم بقدرِ ما يؤمنون بقيادته في الدّائرة أو المؤسّسة، يؤمنون كذلك بالقدرة على تجويد بعض القرارات، خصوصاً قبلَ اتّخاذها وخروج مفاعيلها إلى العلن.

المدير الّذي يؤمن بالعملِ مع الأقوياء، ويستطيع أن يرى مهارات هؤلاء وقِدرَتِهم على الخلْقِ والإبداع والمرونة النفسيّة، هو إنسانٌ ذكيٌّ لأنّه يؤمِّنُ للمؤسّسة فُرصاً أفضل للنجاح والإشعاع وتقديمِ خدماتٍ نوعيّة يتطلّبها "السّوق"، وهو بالتالي يستطيع من خلال كلِّ ذلك تحقيق أرباحٍ نوعيّة.

لكنّك لا تستطيع أن تفتِّشَ عن الأقوياء والنّاجحين فتعمل معهم لكي تستفيدَ أنتَ فقط من خُبُراتهم وقُدُراتِهم. أنتَ بحاجةٍ لأن تُدرِك أنَّكَ إذا قرَّرتَ العمل مع الأشخاص الأقوياء، فأنتَ بحاجةٍ إلى أن تُؤمِنَ بالتفويض Delegation والتمكين Empowerment. لا تبحث عن الأقوياء لكي تعاملهم كضعفاء. عليكَ أن تُدرِك أيضاً أنّهُ يتوجَّبُ عليك أن تُكرِمَهُم معنويّاً وماليّاً. الموظّفُ القويُّ يُدرِك أنَّ المؤسّسة تُحقِّقُ أرباحاً وهو غير معترض على ذلك. هو في الحقيقةِ يُسَرُّ بأنّه ساهم في نجاح المؤسّسة واتّساعِ رُقعةِ عملِها وتأثيرِها وتحقيقها الأهدافِ والأرباح. لكنَّه يتوقّع في المقابل إكراماً وتقديراً لهُ ولكلِّ الجهد الّذي يبذلُه. كذلك على المدير أن يُدرِك أنّه إذا قرَّرَ العمل مع الأقوياء فعليه أن يُشرِكَهُم في صُنعِ القرارات. هو لا يستطيعُ أن يتصرَّفَ في المؤسّسة كحاكمٍ بأمرِ الله. الموظّف القويُّ يتوقّع من مديره أن يسأله رأيه في هذا الموضوع أو ذاك. ودعني أقولُ لكَ أمراً وهو، إنَّ المدير الذّكي لا ينتظرُ أفرادَ فريقَ عملِهِ لكي يطلبوا منه المشاركة في صُنعِ القرار. هو يُبادِر إلى إشراكهم في ذلك عالِماً أنّهم يُجوِّدون ويُحسِّنون ويُحصِّنون كلَّ قرارٍ ستتّخذه المؤسّسة.

إذا أردتَ تحقيق نجاحٍ خجول أو مُعتدِل، فما عليك إلّا أن تكون قديراً وحدكَ. لكنّك إذا أردتَ أن تنتقلَ من قمّة جبل إلى آخر from one mountain top to another، فما عليكَ إلّا أن تختار الأقوياء وتعملَ معهم وتُشرِكَهُم في صُنع القرارات وتُكرِمهم بكلِّ ما تحمِلُ كلمة "إكرام" من معنى، وأن تتحمّلهم إذا جاز التعبير في بعض الأحيان، وفوق ذلك كلِّه أن تتحدّاهُم في كلِّ صباح لكي يُبدِعوا ولكي يُخرِجوا مِن دواخِلِهِم ما هو الأفضل لك ولهم وللمؤسّسة.