مشكلتهم شخصية خالصة وخاصة وفردية بحتة تختلف من ثورجي إلى آخر، وربما اجتمعوا مع بعض الاختلافات على شعار واحد كان لهم بمثابة المهرب الفردي ونوعًا من التنفيس بصوتٍ مسموع عن إحباط نفسي وتراكم مشاكل شخصية تضخمت مع الذات.

الاعتداد بالنفس على النقيض من تضخم الذات، والاستغراق في أوهام الذات بحد ذاته مشكلة تتحول إلى نوع من اليأس الداخلي والإحباط إلى درجة الكآبة غير القادرة على مغادرة جدران القفص اليائس، فلا ترى سوى الظلمة وتعبّر في صوتها المسموع عن تلك الحالة.

لا الثورة ستكون لهم الحل، ولا الدولة ستكون لهم المرفأ، تتحرك داخلهم نوازع تقويض كل شيء، فلا تراهم يستقرون على حال.

لذا ستكون عقدتهم استقرار دولهم ومجتمعاتهم، لأنهم ذاتيًا يعانون من عدم استقرار نفسي داخلي فيضطربون مع أي حالة استقرار.

وسيطفو ما نشير له عن الحالة الخاصة بهذه النوعية إذا ما حدث تمرد أو حراك فوضوي «مسييس»، حيث سيلتفون حوله ويتعلقون بأذياله وسينظرون له ويفلسفونه ويجتهدون إلى تعقيده على قاعدة «المطالب الشرعية» في مصطلح «شرعية الثورة»، وهي الحلم المجهض داخلهم الذي وجدوا في فوضى التقويض والتمرد على المؤسسات والقوانين «ثورتهم» التي فشلوا في إنجازها فانكسرت ذاتهم التي يحاولون لملمة شظاياها وبقاياها في أي حراك متمردٍ فوضوي.

وستتبدل مفردات وعبارات خطاباتهم وفق إيقاع التمرد وحركة الفوضى لأنهم هنا وقود لا يقود، لذا سيتوسلون الصعود بأي وسيلة لاعتلاء موجة الفوضى والانتساب الى حراك التمرد بأسلوب يثير الشفقة على تاريخ كان لهم هناك.

ولن يعود بهم التذكير ولا التنبيه من منزلق اليه قادوا ذواتهم كلٌ بما يرضي جرحه النرجسي الغائر في إحباط ذاتٍ محبطة درجة اليأس.

الرضة النرجسية هي إشكاليتهم المستعصية والمستحيل علاجها هناك في الساحات وميادين الفوضى، فلها للعلاج مكان آخر.

إنهم كاللاعب الذي كان يلعب في منتخب بلاده بنجومية وصيت كروي قوي وكبير، لكنه لم يعتزل وهو في أوج الشهرة الكروية فانحدر به الحال وآل به المآل للعب في فرق الفرجان، حين ينهزم فيها الفريق تسرق عليه «البسكويت» فتعتبره انتصارًا.

أسبابهم في الإحباط مختلفة من ذات إلى أخرى، جمعهم وسيظل يجمعهم الأمل الباهت في الركض وراء أي حراكٍ فوضوي وسيسكن من اضطرابهم الداخلي بشكل مؤقتٍ وقصيرٍ جدًا خطاب شعاراتي صارخ.

أدمنوا التصفيق حتى اذا انحسر رنينه عن دوائرهم خرجوا يبحثون عن «الابن الضال» وسيجدون ضالتهم هناك حيث الوجوه التي لا تشبههم فيرتدون الأقنعة أو يسقطون أقنعة سابقة لا فرق فحالة خاصة وخاصة جدًا بكل فردٍ منهم. وفي المهرب الفردي سينسل بعضهم خفية وسيمسك العصا من الوسط انتظارًا للنتيجة، فهو يضع الليل قدمًا هنا وفي النهار قدمًا هناك، وتلك يعتبرها «شطارة» وغاب عنه أنها «العيارة».

والعيارة في التعبير الشعبي معروفة وأقرب لها أو بالأدق الشبيه المطابق لها هو «التقية السياسية» واللعب على الوجهين.

وذاكرتنا متخمة وممتلئة بوجوه وأسماء وحالات ستفرد لها يومًا صفحات وتفتح معها فصول حكايات، لعلها تكون عبرةً لكنها بالتأكيد ستكون توثيقًا وسجلاً لمشهد سياسي لم نوثقه بعد تفصيلاً، وسنفتح الصندوق الأسود في سرديات تطول وتطول في التوثيق والتسجيل قبل أن تبهت الذاكرة.